كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

وَعُمَرَ فَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهَا فَسَجَّيْتُهُ ثَوْبًا فَجَاءَ عُمَرُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَاسْتَأْذَنَا فَأَذِنْتُ لَهُمَا وَجَذَبْتُ الْحِجَابَ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَيْهِ فَقَالَ وَاغَشْيَتَاهْ ثُمَّ قَامَا فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْبَابِ قَالَ الْمُغِيرَةُ يَا عُمَرُ مَاتَ قَالَ كَذَبْتَ بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ تَحُوشُكَ فِتْنَةٌ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَرَفَعْتُ الْحِجَابَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ مَاتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى بن إِسْحَاقَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِعُمَرَ هَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَالَ لَا قَالَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى حَارَبَ وَسَالَمَ وَنَكَحَ وَطَلَّقَ وَتَرَكَكُمْ عَلَى مَحَجَّةٍ وَاضِحَةٍ وَهَذِهِ من موافقات الْعَبَّاس للصديق فِي حَدِيث بن عمر عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مَرَّ بِعُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَقْتُلَ الله الْمُنَافِقين وَكَانُوا اظهروا الاستبشار وَرفعُوا رؤوسهم فَقَالَ أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ أَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَقَالَ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ثُمَّ أَتَى الْمِنْبَرَ فَصَعِدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَذَكَرَ خُطْبَتَهُ قَوْلُهُ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل زَادَ يَزِيدُ بْنُ بَابَنُوسُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ ميتون حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ ثُمَّ تَلَا وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت الْآيَة وَقَالَ فِيهِ قَالَ عمر أَو أَنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا شَعَرْتُ أَنَّهَا فِي كتاب الله وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ نَحْوُهُ وَزَادَ ثُمَّ نَزَلَ فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ وَأخذ الْمُنَافِقين الكآبة قَالَ بن عُمَرَ وَكَأَنَّمَا عَلَى وُجُوهِنَا أَغْطِيَةٌ فَكُشِفَتْ قَوْلُهُ فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ هُوَ مَقُولُ الزُّهْرِيِّ وَأَغْرَبَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ مَا أَدْرِي الْقَائِلُ فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الزُّهْرِيُّ أَوْ شَيْخُهُ أَبُو سَلمَة فَقُلْتُ صَرَّحَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِأَنَّهُ الزُّهْرِيّ وَأثر بن الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ هَذَا أَهْمَلَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ قَوْلُهُ فَعُقِرْتُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ هَلَكْتُ وَفِي رِوَايَةٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ دَهَشْتُ وَتَحَيَّرْتُ وَيُقَالُ سَقَطْتُ وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ السِّكِّيتِ بِالْفَاءِ مِنَ الْعَفَرِ وَهُوَ التُّرَابُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَقُعِرْتُ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْعَيْنِ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ مَا تُقِلُّنِي بِضَمِّ أَوَّلُهُ وَكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَا تَحْمِلُنِي قَوْلُهُ وَحَتَّى أَهْوَيْتُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هَوَيْتُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ قَوْلُهُ إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ مَاتَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَقَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ تَلَاهَا أَيْ تَلَا الْآيَةَ الَّتِي مَعْنَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ مَاتَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون وَفِي رِوَايَة بن السَّكَنِ فَعَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ مَاتَ وَهِيَ وَاضِحَةٌ وَكَذَا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَعُقِرْتُ وَأَنَا قَائِمٌ حَتَّى خَرَرْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَيْقَنْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَفِي الْحَدِيثِ قُوَّةُ جَأْشِ أَبِي بَكْرٍ وَكَثْرَةُ عِلْمِهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَبَّاس كَمَا ذكرنَا والمغيرة كَمَا رَوَاهُ بن سعد وبن أُمِّ مَكْتُومٍ كَمَا فِي الْمَغَازِي لِأَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ إِنَّهُ كَانَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون وَالنَّاسُ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَقَلَّ عَدَدًا فِي الِاجْتِهَادِ قَدْ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ الْأَكْثَرَ فَلَا يَتَعَيَّنُ التَّرْجِيحُ بِالْأَكْثَرِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ ظَهَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَلَّدَ بَعْضًا

الصفحة 146