كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

كَانَ شَقِيقَهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ ثُمَّ وَقَعَتِ الْهِجْرَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ طَالِبٌ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ عَقِيلٍ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَا خَلَفَ أَبُو طَالِبٍ وَمَاتَ طَالِبٌ قَبْلَ بَدْرٍ وَتَأَخَّرَ عَقِيلٌ فَلَمَّا تَقَرَّرَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِتَرْكِ تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَقِيلٍ فَأَشَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ وَكَانَ عَقِيلٌ قَدْ بَاعَ تِلْكَ الدُّورَ كُلَّهَا وَاخْتُلِفَ فِي تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِيلًا عَلَى مَا يَخُصُّهُ هُوَ فَقِيلَ تَرَكَ لَهُ ذَلِكَ تَفَضُّلًا عَلَيْهِ وَقِيلَ اسْتِمَالَةً لَهُ وَتَأْلِيفًا وَقِيلَ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تُصَحَّحُ أَنْكِحَتُهُمْ وَفِي قَوْلِهِ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ بَيْعٍ لَنَزَلَ فِيهَا وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْخَطَّابِيُّ حَيْثُ قَالَ إِنَّمَا لَمْ يَنْزِلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا لِأَنَّهَا دُورٌ هَجَرُوهَا فِي اللَّهِ تَعَالَى بِالْهِجْرَةِ فَلَمْ يَرَ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْتُهُ وَأَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالتَّرْكِ إِنَّمَا هُوَ إِقَامَةُ الْمُهَاجِرِ فِي الْبَلَدِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي أَبْوَابِ الْهِجْرَةِ لَا مُجَرّد نُزُوله فِي دَار يملكهَا إِذْ أَقَامَ الْمُدَّةَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِيهَا وَهِيَ أَيَّامُ النُّسُكِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ طَرِيقُ مَعْمَرٍ تَقَدَّمَتْ مَوْصُولَةً فِي الْجِهَادِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ يُونُس أَي بن يزِيد حجَّته ولازمن الْفَتْح أَي سكت عَن ذَلِك وَبَقِي الِاخْتِلَاف بَين بن أبي حَفْصَة وَمعمر وَمَعْمَرٍ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

[4284] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْأَعْرَجُ قَوْلُهُ مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ لِلتَّبَرُّكِ قَوْلُهُ إِذَا افْتَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفُ هُوَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَنْزِلُنَا وَلَيْسَ هُوَ مَفْعُولُ افْتَتَحَ وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ عَنْ غِلَظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ قَوْلُهُ حَيْثُ تَقَاسَمُوا يَعْنِي قُرَيْشًا عَلَى الْكُفْرِ أَيْ لَمَّا تَحَالَفَ قُرَيْشٌ أَنْ لَا يُبَايِعُوا بَنِي هَاشم وَلَا يناكحوهم وَلَا يؤوهم وَحَصَرُوهُمْ فِي الشِّعْبِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَبْعَثِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا شَرْحُهُ فِي بَابِ نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ مِنَ كتاب الْحَج قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة

[4285] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا أَيْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ لِأَنَّ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ عَقِبَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَجِّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ وَلَا مُغَايِرَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ ذَكَرَهُ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ قَالَ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ لَا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قِيلَ إِنَّمَا اخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّزُولَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَذَكَّرَ مَا كَانُوا فِيهِ فَيَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْفَتْحِ الْعَظِيمِ وَتَمَكُّنِهِمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ ظَاهِرًا عَلَى رَغْمَ أَنْفِ مَنْ سَعَى فِي إِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَمُبَالَغَةً فِي الصَّفْحِ عَنِ الَّذِينَ أَسَاءُوا وَمُقَابَلَتِهِمْ بِالْمَنِّ وَالْإِحْسَانِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ

الصفحة 15