كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ وَمَا ادَّعَاهُ الدَّاوُدِيُّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْقَاضِيَانِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافٍ عِنْدَهُمْ بَعْدَ قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ أَمْ لَا قَوْلُهُ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفرْقَان مثلهَا قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ نَاقِصٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَفْضَلِ وَأَسْمَاءَ الله وَصِفَاته وَكَلَامه لانقص فِيهَا وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى التَّفَاضُلِ أَنَّ ثَوَابَ بَعْضِهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ بَعْضٍ فَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمَعَانِي لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ وَيُؤَيِّدُ التَّفْضِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا وَقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالرِّفْقِ وَالرِّفْعَةِ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ نَأْتِ مِنْهَا بِخَيْرٍ وَهُوَ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا لَكِنْ قَوْلُهُ فِي آيَةِ الْبَابِ أَوْ مِثْلِهَا يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنِي وَأَنَا أَتَبَاطَأُ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ الْبَابَ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْحَدِيثُ قَوْلُهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي قَدْ وَعَدْتَنِي قَالَ كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أُمَّ الْكِتَابِ قَوْلُهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فِي رِوَايَةِ مُعَاذٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْفَالِ فَقَالَ هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا من المثاني هِيَ الْفَاتِحَة وَقد روىالنسائي بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هِيَ السَّبْعُ الطِّوَالُ أَيِ السُّوَرُ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ إِلَى آخِرِ الْأَعْرَافِ ثُمَّ بَرَاءَةٌ وَقِيلَ يُونُسُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْآيُ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتهَا مثانى فَقيل لِأَنَّهَا تثني فِي كُلَّ رَكْعَةٍ أَيْ تُعَادُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا قَالَ بن التِّينِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَذَا قَالَ وَعكس غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْآيَةَ لَمْ يَقُلْ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي لِأَنَّ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يُقَالُ لَهَا سَبْعٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا السُّورَةَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ أَسْمَائِهَا وَفِيهِ قُوَّةٌ لِتَأْوِيلِ الشَّافِعِيِّ فِي حَدِيث أنس قَالَ كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ الشَّافِعِيُّ أَرَادَ السُّورَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ تُسَمَّى سُورَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا تُسَمَّى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ هَذَا التَّعَقُّبَ وَفِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْفَوْرَ لِأَنَّهُ عَاتَبَ الصَّحَابِيَّ عَلَى تَأْخِيرِ إِجَابَتِهِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ لَفْظِ الْعُمُومِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَضَاهُ وَأَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ إِذَا تَقَابَلَا كَانَ الْعَامُّ مُنَزَّلًا عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ إِجَابَةَ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ إِجَابَةَ الْمُصَلِّي دُعَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ إِجَابَتُهُ وَاجِبَةً مُطْلَقًا سَوَاءَ كَانَ الْمُخَاطَبُ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ أَمَّا كَوْنُهُ يَخْرُجُ بِالْإِجَابَةِ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَخْرُجُ فَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْإِجَابَةُ وَلَوْ خَرَجَ

الصفحة 158