كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

لِمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ مَنْ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ وَهَذَا لَا يُخَالف حَدِيث بن عمر فَأَنَّهُ نفى أَن يَكُونُوا مائَة وبن مَسْعُودٍ أَثْبَتَ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِينَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ رَبِيعَةُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ مِنْ أمه أَيمن بن أُمِّ أَيْمَنَ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَؤُلَاءِ تِسْعَة وَقد تقدم ذكر بن مَسْعُودٍ فِي مُرْسَلِ الْحَاكِمِ فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةٌ وَوَقَعَ فِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّ الَّذِينَ ثَبَتُوا كَانُوا عَشَرَةً فَقَطْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ تِسْعَةً وَقَدْ فَرَّ مَنْ قَدْ فَرَّ عَنْهُ فَأَقْشَعُوا وَعَاشِرُنَا وَافَى الْحِمَامَ بِنَفْسِهِ لِمَا مَسَّهُ فِي اللَّهِ لَا يَتَوَجَّعُ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الثَّبْتُ وَمَنْ زَاد على ذَلِك يكون عَجِلَ فِي الرُّجُوعِ فَعَدَّ فِيمَنْ لَمْ يَنْهَزِمْ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعُتْبَةُ وَمُعَتِّبٌ ابْنا أَبِي لَهَبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقِيلُ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَشَيْبَةُ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيُّ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا اسْتَدْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ لَهُ قَاتِلِ الْكُفَّارَ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى انْهَزَمُوا قَالَ الطَّبَرِيُّ الِانْهِزَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا وَقَعَ عَلَى غَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدِ وَأَمَّا الِاسْتِطْرَادُ لِلْكَثْرَةِ فَهُوَ كَالتَّحَيُّزِ إِلَى فِئَةٍ قَوْلُهُ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ فَأَقْبَلُوا أَيِ الْمُشْرِكُونَ هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ على بغلته الْبَيْضَاء وبن عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَغْلَةُ يَوْمَئِذٍ دَلَالَةٌ عَلَى النِّهَايَةِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالثَّبَاتِ وَقَوْلُهُ فَنَزَلَ أَيْ عَنِ الْبَغْلَةِ فَاسْتَنْصَرَ أَيْ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ عِنْدَ مُسْلِمٍ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَزِمْتُهُ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمْ نُفَارِقْهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ قَالَ الْعَبَّاسُ وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا إِرَادَةَ أَنْ لَا تُسْرِعَ وَأَبُو سُفْيَانَ آخِذٌ بِرِكَابِهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ آخِذًا أَوَّلًا بِزِمَامِهَا فَلَمَّا رَكَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ خَشِيَ الْعَبَّاسُ فَأَخَذَ بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ يَكُفُّهَا وَأَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ بِالرِّكَابِ وَتَرَكَ اللِّجَامِ لِلْعَبَّاسِ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَمَّهُ قَوْلُهُ بَغْلَتِهِ هَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ وَكَانَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ بَيْضَاءَ أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نُفَاثَةَ الْجُذَامِيُّ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ وَكَانَ عَلَى بغلته الشَّهْبَاء وَوَقع عِنْد بن سَعْدٍ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ السِّيرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى بَغْلَتِهِ دُلْدُلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ دُلْدُلَ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ وَقَدْ ذَكَرَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ عِنْد الدمياطي مَا ذكره بن سَعْدٍ فَقَالَ لَهُ كُنْتُ تَبِعْتُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي السِّيرَةِ وَكُنْتُ حِينَئِذٍ سِيرِيًّا مَحْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَذْكُرَ الْخِلَافَ قَالَ الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ رَكِبَ كُلًّا مِنَ الْبَغْلَتَيْنِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ صَحِبَتْهُ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَدَلَّ قَوْلُ الدِّمْيَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ الرُّجُوعَ عَنْ كَثِيرٍ

الصفحة 30