كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

مِمَّا وَافَقَ فِيهِ أَهْلَ السِّيَرِ وَخَالَفَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَضَلَّعَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِخُرُوجِ نُسَخٌ مِنْ كِتَابِهِ وَانْتِشَارِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَغْيِيرِهِ وَقَدْ أَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَفِي أُخْرَى الشَّهْبَاءِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَا نَعْرِفُ لَهُ بَغْلَةً غَيْرَهَا وَتَعَقَّبَ بِدُلْدُلَ فَقَدْ ذَكَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنْ قِيلَ إِنَّ الِاسْمَيْنِ لِوَاحِدَةٍ قَوْلُهُ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنا بن عبد الْمطلب قَالَ بن التِّينِ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ لَا كَذِبْ لِيُخْرِجَهُ عَنِ الْوَزْنِ وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ مَقَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجَزِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ نَظْمُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ أَنْتَ النَّبِيُّ لَا كذب أَنْت بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ثَانِيهَا أَنَّ هَذَا رَجَزٌ وَلَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الشِّعْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا حَتَّى يَتِمَّ قِطْعَةً وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ وَلَا تُسَمَّى شِعْرًا رَابِعُهَا أَنَّهُ خَرَجَ مَوْزُونًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الشِّعْرُ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَجْوِبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ وَيَأْتِي تَامًّا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَأَمَّا نِسْبَتُهُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَأَنَّهَا لِشُهْرَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا رُزِقَ مِنْ نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَطُولِ الْعُمْرِ بِخِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا وَلِهَذَا كَانَ كثير من الْعَرَب يَدعُونَهُ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا قَالَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لما قدم أَيّكُم بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رجل يَدْعُو الله ويهدى إِلَى اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى يَدَيْهِ وَيَكُونُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فَانْتَسَبَ إِلَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَقَدِ اشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَذَكَرَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزْنٍ قَدِيمًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ وَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهَ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ لِتَقْوَى قُلُوبِهِمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرَ مُنْهَزِمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا كَذِبْ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صِفَةَ النُّبُوَّةِ يَسْتَحِيلُ مَعَهَا الْكَذِبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ وَالنَّبِيُّ لَا يَكْذِبُ فَلَسْتُ بِكَاذِبٍ فِيمَا أَقُولُ حَتَّى أَنْهَزِمَ وَأَنَا مُتَيَقِّنٌ بِأَنَّ الَّذِي وَعَدَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ عَلَيَّ الْفِرَارُ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا كَذِبْ أَيْ أَنَا النَّبِيُّ حَقًّا لَا كَذِبَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهَانِ أَحَدهُمَا سَاقَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ لَكِنَّهُ مُخْتَصَرٌ جِدًّا ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ مُطَوَّلًا بِنُزُولِ دَرَجَةٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ مُطَوَّلًا فَكَأَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ حَدَّثَهُ بِهِ مُخْتَصَرًا الثَّانِي اتَّفَقَتِ الطُّرُقُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ إِلَّا رِوَايَةُ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَزَادَ فِي آخِرِهَا ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ الْبَرَاءُ كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ وَإِنَّ الشُّجَاعَ منا الَّذِي يُحَاذِيهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ صَارَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ إِلَى جِهَةِ الْكُفَّارِ وَزَادَ فَقَالَ أَيْ عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ صَيِّتًا قَالَ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي أَيْنَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ قَالَ فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّ عِطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عِطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا فَقَالُوا يَا لَبَّيْكَ قَالَ فَاقْتَتَلُوا وَالْكَفَّارَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ ثُمَّ أَخَذَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا وَلِابْنِ إِسْحَاقَ نَحْوُهُ وَزَادَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَعْطِفُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَقْدِرُ فَيَقْذِفُ دِرْعَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِسَيْفِهِ وَدَرَقَتِهِ ثمَّ يؤم الصَّوْت قَوْلُهُ فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ

[4317] قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ نَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَغْلَتِهِ أَيْ إِنَّ إِسْرَائِيلَ بْنَ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ رَوَيَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فَقَالَا فِي آخِرِهِ

الصفحة 31