كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

قَالَ الْفراء وَإِنَّا لموسعون أَيْ لَذُو سَعَةٍ لِخَلْقِنَا وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَى الموسع قدره يَعْنِي الْقوي وروى بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أبي نجيح قَالَ وَإِنَّا لموسعون قَالَ أَنْ نَخْلُقَ سَمَاءً مِثْلَهَا قَوْلُهُ زَوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى وَاخْتِلَاف الألوان حُلْو وحامض فهما زَوْجَانِ هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا وَلَفْظُهُ الزَّوْجَانِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَمِنْ سِوَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ أَلْوَانِ النَّبَاتِ وَطُعُومِ الثِّمَارِ بَعْضٌ حُلْو وَبَعض حامض وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ مَعْنَاهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ قَالَ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ وَالشَّقَاوَةُ وَالسَّعَادَةُ وَالْهُدَى وَالضَّلَالَةُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالسَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ قَوْلُهُ فَفرُّوا إِلَى الله مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ أَيْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ إِلَى طَاعَتِهِ أَوْ مِنْ عَذَابِهِ إِلَى رَحْمَتِهِ هُوَ قَول الْفراء أَيْضا قَوْله إِلَّا ليعبدون فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والأنس إِلَّا ليعبدون مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا ليوحدون هُوَ قَول الْفراء وَنَصره بن قُتَيْبَةَ فِي مُشْكِلِ الْقُرْآنِ لَهُ وَسَبَبُ الْحَمْلِ عَلَى التَّخْصِيصِ وُجُودُ مَنْ لَا يَعْبُدُهُ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَوَقَعَ التَّنَافِي بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْقَدَرِ هُوَ كَلَامُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا وَحَاصِلُ التَّأْوِيلَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ مُرَادٌ بِهِ الْخُصُوصَ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ السَّعَادَةِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالثَّانِي بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ لَكِنْ بِمَعْنَى الِاسْتِعْدَادِ أَيْ خَلَقَهُمْ مُعَدِّينَ لِذَلِكَ لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ أَطَاعَ وَمِنْهُمْ مَنْ عَصَى وَهُوَ كَقَوْلِهِمُ الْإِبِلُ مَخْلُوقَةٌ لِلْحَرْثِ أَيْ قَابِلَةٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مَا لَا يَحْرُثُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْقَدَرِ فَيُرِيدُ الْمُعْتَزِلَةَ لِأَنَّ مُحَصَّلَ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلْقِ خَلْقُ التَّكْلِيفِ لَا خَلْقُ الْجِبِلَّةِ فَمَنْ وَفَّقَهُ عَمِلَ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَمَنْ خَذَلَهُ خَالَفَ وَالْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مُعَلَّلًا بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُرَادًا وَأَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ مُرَادًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْقَدَرِ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً فَقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ التَّعْلِيلِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ التَّعْلِيلِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَنَحْنُ نَقُولُ بِجَوَازِ التَّعْلِيلِ لَا بِوُجُوبِهِ أَوْ لِأَنَّهُمُ احْتَجُّوا بِهَا عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ لِإِسْنَادِ الْعِبَادَةِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ مِنْ جِهَةِ الْكَسْبِ وَفِي الْآيَة تأويلات أُخْرَى يطول ذكرهَا وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ فَمِنَ الْعِبَادَةِ مَا يَنْفَعُ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْفَعُ قَوْلُهُ وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ لَكِنْ قَالَ الْعَظِيمَةُ وَزَادَ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الذَّنُوبُ النَّصِيبُ وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّلْوِ والذنُوب والسجل وَاحِد والسجل أقل مَلأ مِنَ الدَّلْوِ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ ذَنُوبًا سَبِيلًا وَقَعَ هَذَا مُؤَخَّرًا عَنِ الَّذِي بَعْدَهُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَالَّذِي عِنْدَهُ أَوْلَى وَقَدْ وَصَلَهُ الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ ذَنُوبًا مثل ذنُوب أَصْحَابهم قَالَ سَجْلًا مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ عَذَابِ أَصْحَابِهِمْ وَأخرج بن الْمُنْذر من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظلمُوا ذنوبا قَالَ سَبِيلا قَالَ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ سَجْلًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَمن طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ شَاهِدًا قَوْلُهُ صَرَّةٌ صَيْحَةٌ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ صَرَّةٌ شِدَّةُ صَوْتٍ يُقَالُ أَقْبَلَ فُلَانٌ يَصْطَرُّ أَيْ يُصَوِّتُ صَوْتًا شَدِيدًا وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ أَقْبَلَتْ تَرِنُّ قَوْلُهُ الْعَقِيمُ الَّتِي لَا

الصفحة 600