كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

(قَوْلُهُ سُورَةُ عَبَسَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ قَوْلُهُ عَبَسَ وَتَوَلَّى كَلَحَ وَأَعْرَضَ أَمَّا تَفْسِيرُ عَبَسَ فَهُوَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَمَّا تَفْسِيرُ تَوَلَّى فَهُوَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ بَعْدُ وَلَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ فِي أَنَّ فَاعِلَ عَبَسَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ هُوَ الْكَافِرُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بن سعيد الْأمَوِي وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَت نزلت فِي بن أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي وَعِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ فَيَقُولُ لَهُ أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا فَيَقُولُ لَا فَنَزَلَتْ عَبَسَ وَتَوَلَّى قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَدْ أَرْسَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عُرْوَةَ لَمْ يَذْكُرْ عَائِشَةَ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَرَوَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهُ أُمَيَّةُ بْنُ خلف وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُخَاطِبُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ عُتْبَةُ وَأَبُو جَهْلٍ وَعَيَّاشٌ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ نَاسٌ مِنْ وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ فَهَذَا يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ قَوْلُهُ مُطَهَّرَةٌ لَا يَمَسُّهَا إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ غَيْرُهُ مُطَهَّرَةٌ إِلَخْ وَكَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَكَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَذَكَرَ الْأَثَرَ الْآتِيَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُهُ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي صحف مكرمَة مَرْفُوعَة مطهرة لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى فالمدبرات أمرا قَوْلُهُ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً لِأَنَّ الصُّحُفَ يَقع عَلَيْهَا التَّطْهِير فَجعل التَّطْهِير لمن حملهَا أَيْضًا هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ أَيْضًا قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْغُلْبُ الْمُلْتَفَّةُ وَالْأَبُّ مَا يَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَحْدَهُ هُنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ سَفَرَةٍ الْمَلَائِكَةُ واحدهم سَافر سفرت أصلحت بَينهم وَجعلت الْمَلَائِكَة إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ بِلَفْظِهِ وَزَادَ قَالَ الشَّاعِرُ وَمَا أَدَعُ السِّفَارَةَ بَيْنَ قَوْمِي وَمَا أَمْشِي بِغِشٍّ إِنْ مَشِيتُ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ جَمِيعَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلُ اللَّهِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِمُ الرُّسُلَ وَغَيْرَ الرُّسُلِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مِنْهُمُ السَّاجِدَ فَلَا يَقُومُ وَالرَّاكِعَ فَلَا يَعْتَدِلُ الْحَدِيثَ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى جَاعِلِ الْمَلَائِكَة رسلًا وَأُجِيبَ بِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ قَوْلُهُ تَصَدَّى تَغَافَلُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَقَالَ غَيْرُهُ إِلَخْ وَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ وَالَّذِي قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَنْتَ لَهُ تصدى أَيْ تَتَعَرَّضُ لَهُ تَلَهَّى تَغَافَلُ عَنْهُ فَالسَّاقِطُ لَفْظُ تَتَعَرَّضُ لَهُ وَلَفْظُ تَلَهَّى وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ تَلَهَّى عَلَى الصَّوَابِ وَهُوَ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي اللَّفْظَتَيْنِ وَالْأَصْلُ تَتَصَدَّى وَتَتَلَهَّى وَقَدْ تَعَقَّبَ أَبُو ذَرٍّ مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فَقَالَ إِنَّمَا يُقَالُ تَصَدَّى لِلْأَمْرِ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ فَأَمَّا تَغَافَلُ فَهُوَ تَفْسِيرُ تَلَهَّى وَقَالَ بن التِّينِ قِيلَ تَصَدَّى تَعَرَّضُ وَهُوَ اللَّائِقُ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَافَلْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا تَغَافَلَ عَنِ الْأَعْمَى قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا يَقْضِ لَا يَقْضِي أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ لَا يَقْضِي أَحَدٌ أَبَدًا مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاس ترهقها قترة تغشاها شدَّة وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ بِهِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً

الصفحة 692