كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

(قَوْلُهُ سُورَةُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَهِيَ سُورَةُ النَّصْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ أَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ آخِرِيَّةَ سُورَةِ النَّصْرِ نُزُولُهَا كَامِلَةً بِخِلَافِ بَرَاءَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَيُقَالُ إِنَّ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ نَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقِيلَ عَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ مُنَافِيًا لِلَّذِي قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَال فِي وَقت الْوَفَاة النَّبَوِيَّة وَعند بن أبي حَاتِم من حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَاشَ بَعْدَهَا تِسْعَ لَيَالٍ وَعَنْ مُقَاتِلٍ سَبْعًا وَعَنْ بَعْضِهِمْ ثَلَاثًا وَقِيلَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ وَهُوَ بَاطِل وَأخرج بن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ إِذَا جَاءَ فَتْحُ اللَّهِ وَالنَّصْرُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَفِي الْأُولَى التَّصْرِيحُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ السُّورَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ يَجْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي أشرف الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال وَقد أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ فَزَادَ فِيهِ عَلَامَةٌ فِي أُمَّتِي أَمَرَنِي رَبِّي إِذَا رَأَيْتُهَا أُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَقَدْ رَأَيْتُ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا وَقَالَ بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْتَغْفِرْهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الِاسْتِغْفَارَ فِي خَوَاتِمِ الْأُمُورِ فَيَقُولُ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ غُفْرَانَكَ وَوَرَدَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَنَاسِكِ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفرُوا الله الْآيَةَ قُلْتُ وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا فَقَدْ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ انْقِضَاء الْوضُوء اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين قَوْلُهُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا

(قَوْله بَاب قَوْلُهُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا)
ذكر فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ إِذَا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح وسأذكر شَرحه فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ

الصفحة 734