كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)
أَهْلِ الْيَمَنِ فِي دِينِهِمْ وَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ بَعْضِ الْقَادِمِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ سِرًّا أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَاهِنًا أَوْ أَنَّهُ صَارَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ مُحْدَّثًا أَيْ بِفَتْح الدَّال وَقد تقدم تَفْسِيره بِأَنَّهُ الْمُلْهَمُ قُلْتُ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ وَفَاتِهِ عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ جَرِيرٌ مِنْ أَحْوَالِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْتُهُ لَمَا احْتَاجَ إِلَى بِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ خَبَرٌ مَحْضٌ وَالثَّالِثَ وُقُوعُ شَيْءٍ فِي النَّفْسِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ كَأَنَّهُ جَمَعَ بِاعْتِبَارِ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنَ الْأَتْبَاعِ قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ إِلَخْ لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ لَمَّا هَاجَرَ ذُو عَمْرٍو فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبَّةَ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ ذَا الْكَلَاعِ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنْ مَوَالِيهِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ بَيْعَهُمْ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ ذُو الْكَلَاعِ هُمْ أَحْرَارٌ فَأَعْتَقَهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَوَى سَيْفٌ فِي الْفُتُوحِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَسْتَنْفِرُ أَهْلَ الْيَمَنِ إِلَى الْجِهَادِ فَرَحَلَ ذُو الْكَلَاعِ وَمَنْ أَطَاعَهُ وَذَكَرَ بن الْكُلْبِيِّ فِي النَّسَبِ أَنَّ ذَا الْكَلَاعِ كَانَ جَمِيلًا فَكَانَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ يَتَعَمَّمُ وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَقُتِلَ بِهَا قَوْلُهُ تَآمَرْتُمْ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ تَشَاوَرْتُمْ أَوْ بِالْقَصْرِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَقَمْتُمْ أَمِيرًا مِنْكُمْ عَنْ رِضًا مِنْكُمْ أَوْ عَهْدٍ مِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَتْ أَيِ الْإِمَارَةُ بِالسَّيْفِ أَيْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَانُوا مُلُوكًا أَيِ الْخُلَفَاءُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَرَرْتُهُ أَنَّ ذَا عَمْرٍو كَانَ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى الْأَخْبَارِ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ وَإِشَارَتُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ تُطَابِقُ الْحَدِيثَ الَّذِي أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا عَضُوضًا قَالَ بن التِّينِ مَا قَالَهُ ذُو عَمْرٍو وَذُو الْكَلَاعِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ كِتَابٍ أَوْ كَهَانَةٍ وَمَا قَالَهُ ذُو عَمْرٍو لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ كِتَابٍ قُلْتُ وَلَا أَدْرِي لِمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ وَالِاحْتِمَالُ فِيهِمَا وَاحِدٌ بَلِ الْمَقَالَةُ الْأَخِيرَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ التَّجْرِبَةِ
الصفحة 77
756