كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)

حِفْظِ رِحَالِهِمْ وَمَرَّةً مَتْبُوعًا وَفِيهَا خَاطَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ فِي رِحَالِهِمْ بِاخْتِيَارِهِ أَنَفَةً مِنْهُ وَاسْتِكْبَارًا أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَامَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مُعَاملَة الْكَرم علىعادته فِي الِاسْتِئْلَافِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ أَيْ بِمَكَانٍ لِكَوْنِهِ كَانَ يَحْفَظُ رِحَالَهُمْ وَأَرَادَ اسْتِئْلَافَهُ بِالْإِحْسَانِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَلَمَّا لَمْ يَفِدْ فِي مُسَيْلِمَةُ تَوَجَّهَ بِنَفْسِهِ إِلَيْهِمْ لِيُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ وَيُعْذِرَ إِلَيْهِ بِالْإِنْذَارِ وَالْعِلْمِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِنَفْسِهِ إِلَى مَنْ قَدِمَ يُرِيدُ لِقَاءَهُ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ أَيِ الْخِلَافَةَ وَسَقَطَ لَفْظُ الْأَمْرَ هُنَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ وَقَدْ ثَبَتَتْ فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ وَثَبَتَتْ أَيْضًا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَدَدَ مَنْ كَانَ مَعَ مُسَيْلِمَةَ مِنْ قَوْمِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا فَيُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ الْقُدُومِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ لَنْ تَعْدُ بِالْجَزْمِ وَهُوَ لُغَةٌ أَيِ الْجَزْمِ بِلَنْ وَالْمُرَادُ بِأَمْرِ اللَّهِ حُكْمُهُ وَقَوْلُهُ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ أَيْ خَالَفْتَ الْحَقَّ وَقَوْلُهُ لَيَعْقِرَنَّكَ بِالْقَافِ أَيْ يُهْلِكُكَ قَوْلُهُ وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ يُجِيبُكَ عَنِّي أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ خَطِيبَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ فَاكْتَفَى بِمَا قَالَهُ لِمُسَيْلِمَةَ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُرِيدُ الْإِسْهَابَ فِي الْخِطَابِ فَهَذَا الْخَطِيبُ يَقُومُ عَنِّي فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِعَانَةُ الْإِمَامِ بِأَهْلِ الْبَلَاغَةِ فِي جَوَابِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ أُرِيتَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ رُؤْيَا الْمَنَامِ وَقد فسره بن عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ الْأَسَاوِرُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ ذَهَبٍ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ فَهِيَ الْقَلْبُ قَوْلُهُ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ الَّتِي بَعْدَهَا فَكَبُرَا عَلَيَّ قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَهُوَ صَاحِبُ صَنْعَاءَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَسَأَذْكُرُ شَأْنَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَنْقَبَةٌ لِلصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلَّى نَفْخَ السِّوَارَيْنِ بِنَفْسِهِ حَتَّى طَارَا فَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَقُتِلَ فِي زَمَنِهِ وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَكَانَ الْقَائِمَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَامَ مَقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ السِّوَارَ وَسَائِرَ آلَاتِ أَنْوَاع الْحلِيّ اللائقة بِالنسَاء تعبر للرِّجَال بِمَا يسوؤهم وَلَا يَسُرُّهُمْ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(الْحَدِيثُ الرَّابِعُ)
[4376] قَوْلُهُ حَدثنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد أَي بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَارِكِيُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُكْنَى أَبَا همام

الصفحة 90