كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 8)
فَلَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ عِنْد مُسَيْلمَة بِالْيَمَامَةِ فَلَمَّا قتل تزَوجهَا بن عَمِّهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ هَذَا مُغَاير لما ذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ ادَّعَى الشَّرِكَةَ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ قَوْله فَقَالَ بن عَبَّاسٍ ذُكِرَ لِي كَذَا فِيهِ بِضَمِّ الذَّالِ مِنْ ذَكَرَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَقَدْ وَضَحَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ قَبْلَهُ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ إِسْوَارَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ تَثْنِيَةُ إِسْوَارٍ وَهِيَ لُغَةٌ فِي السِّوَارِ وَالسِّوَارُ بِالْكَسْرِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَالْأُسْوَارُ أَيْضًا صِفَةٌ لِلْكَبِيرِ مِنَ الْفَرَسِ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ مَعًا بِخِلَافِ الْإِسْوَارِ مِنَ الْحُلِيِّ فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ فَقَطْ قَوْلُهُ فَفَظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا بِفَاءٍ وَظَاءٍ مُشَالَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ يُقَالُ فَظِعَ الْأَمْرُ فَهُوَ فَظِيعٌ إِذَا جَاوَزَ الْمِقْدَارَ قَالَ بن الْأَثِيرِ الْفَظِيعُ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ وَجَاءَ هُنَا مُتَعَدِّيًا وَالْمَعْرُوفُ فَظِعْتُ بِهِ وَفَظِعْتُ مِنْهُ فَيُحْتَمَلُ التَّعْدِيَةُ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ خِفْتُهُمَا أَوْ مَعْنَى فَظِعْتُهُمَا اشْتَدَّ عَلَيَّ أَمْرُهُمَا قُلْتُ يُؤَيِّدُ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا وَكَبُرَا عَلَيَّ قَوْلُهُ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ أَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَقَدْ ذَكَرْتُ خَبَرَهُ وَأَمَّا الْعَنْسِيُّ وَفَيْرُوزُ فَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ أَنَّ الْعَنْسِيَّ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَاسْمُهُ عَبْهَلَةُ بْنُ كَعْبٍ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ أَيْضًا ذُو الْخِمَارِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَقِيلَ هُوَ اسْمُ شَيْطَانِهِ وَكَانَ الْأَسْوَدُ قَدْ خَرَجَ بِصَنْعَاءَ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَغَلَبَ عَلَى عَامِلِ صَنْعَاءَ الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَيُقَالُ إِنَّهُ مَرَّ بِهِ فَلَمَّا حَاذَاهُ عَثَرَ الْحِمَارُ فَادَّعَى أَنَّهُ سَجَدَ لَهُ وَلَمْ يَقُمِ الْحِمَارُ حَتَّى قَالَ لَهُ شَيْئًا فَقَامَ وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بُزْرُجَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ ثُمَّ رَاءٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ جِيمٌ قَالَ خَرَجَ الْأَسْوَدُ الْكَذَّابُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَنْسٍ يَعْنِي بِسُكُونِ النُّونِ وَكَانَ مَعَهُ شَيْطَانَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا سُحَيْقٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ مُصَغَّرٌ وَالْآخَرُ شُقَيْقٌ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافَيْنِ مُصَغَّرٌ وَكَانَا يُخْبِرَانِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ يَحْدُثُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ وَكَانَ بَاذَانُ عَامِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَنْعَاءَ فَمَاتَ فَجَاءَ شَيْطَانُ الْأَسْوَدِ فَأَخْبَرَهُ فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ حَتَّى مَلَكَ صَنْعَاءَ وَتَزَوَّجَ الْمَرْزُبَانَةَ زَوْجَةَ بَاذَانَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي مُوَاعَدَتِهَا دَادَوَيْهِ وَفَيْرُوزَ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى الْأَسْوَدِ لَيْلًا وَقَدْ سَقَتْهُ الْمَرْزُبَانَةُ الْخَمْرَ صَرْفًا حَتَّى سَكِرَ وَكَانَ عَلَى بَابِهِ أَلْفُ حَارِسٍ فَنَقَبَ فَيْرُوزُ وَمَنْ مَعَهُ الْجِدَارَ حَتَّى دَخَلُوا فَقَتَلَهُ فَيْرُوزُ وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَأَخْرَجُوا الْمَرْأَةَ وَمَا أَحَبُّوا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَأَرْسَلُوا الْخَبَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَافَى بِذَلِكَ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أُصِيبَ الْأَسْوَدُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ فَأَخْبَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ وَصَلَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ صَبِيحَةَ دفن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الصفحة 93
756