كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 8)

الإنس والجن، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال؛ والعلل أي: ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين، وقيل معنى كونه رحمة للكفار أنهم آمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال، وقيل المراد بالعالمين المؤمنون خاصة، والأول أولى، بدليل قوله سبحانه: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم.
وعن ابن عباس في الآية قال: من آمن تمت به الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من المسخ، والخسف والقذف.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ادع الله على المشركين، قال: " إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة " (¬1) وأخرج أحمد والطيالسي والطبراني وأبو نعيم، عن أبي امامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين " (¬2).
وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة، فإنما أنا رجل من بني آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فأجعلها عليه صلاة يوم القيامة " (¬3).
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا رحمة مهداة " (¬4) وقد روي معنى هذا من طرق، ثم بين سبحانه أن أصل تلك الرحمة هو التوحيد والبراءة من الشرك فقال:
¬_________
(¬1) مسلم 2599.
(¬2) الإمام أحمد 5/ 265.
(¬3) الإمام أحمد 5/ 294.
(¬4) طبقات ابن سعد 1/ 192 - الطبراني المعجم الكبير 1/ 76/2.
(قل إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد) إن كانت (ما) موصولة

الصفحة 381