كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 8)

فالمعنى أن الذي يوحى إليّ هو أن وصفه تعالى مقصور على الوحدانية لا يتجاوزها إلى ما يناقضها أو يضادها وإن كانت ما كافة فالمعنى أن الوحي إليّ مقصور على استئثار الله بالوحدة (فهل أنتم مسلمون) منقادون مخلصون للعبادة ولتوحيد الله سبحانه، والمراد بهذا الاستفهام الأمر، أي أسلموا.
(فإن تولوا) أي أعرضوا عن الإسلام (فقل) لهم (آذنتكم) أي أعلمتكم أنَّا وإياكم حرب لا صلح بيننا كائنين (على سواء) في الإعلام لم أخص به بعضكم دون بعض، كقوله سبحانه: (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) أي أعلمهم أنك نقضت العهد نقضاً سويت بينهم فيه.
وقال الزجاج: المعنى أعلمتكم بما يوحى إليّ على استواء في العلم به، ولا أظهر لأحد شيئاً كتمته على غيره.
(وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون) أي ما أدري أقريب حصوله أم بعيد وهو غلبة الإسلام وأهله على الكفر وأهله، وقيل المراد العذاب أو القيامة المشتملة عليه ولا يعلمها إلا الله تعالى، وقيل آذنتكم بالحرب ولكن لا أدري ما يؤذن لي في محاربتكم.
(إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون) أي يعلم سبحانه ما تجاهرون به من الكفر والطعن على الإسلام وأهله وما تكتمونه من ذلك وتخفونه لا تخفى عليه منه خافية
(وإن أدري لعله) أي ما أدري لعل الإمهال (فتنة لكم) واختبار ليرى كيف صنعكم.
عن الربيع بن أنس قال: " لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم رأى فلاناً، وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية يقول هذا الملك. وقال: ابن عباس، يقول ما أخبركم به من العذاب والساعة لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم.

الصفحة 382