كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)
أقول وإن زوجي أعطاني ما لم يعطني (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقط قوله فقال رسول الله: إلى آخره لأبي ذر.
(المتشبع) المتكثر (بما لم يعط) يتجمل بذلك كالذي يرى أنه ثمبعان وليس كذلك (كلابس ثوبي زور). قال السفاقسي: هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم فيفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفًا من الفساد بين زوجها وضرتها فتورث بينهما البغضاء، وقال الخطابي: هذا يتأول على وجهين: أحدهما أن الثوب مثل المتشبع بما
لم يعط كصاحب زور وكذب كما يقال: للرجل إذا وصف بالبراءة عن العيوب أنه طاهر الثوب والمراد طهارة نفسه، والثاني: أن يراد به نفس الثوب قالوا: كان في الحي رجل له هيئة حسنة إذا احتاجوا إلى شهادة الزور شهد لهم فيقبل لهيئته وحسن ثوبيه، وقيل: هو أن يلبس قميصًا يصل بكمه كما آخر يرى أنه لابس قميصين أو هو المرائي يلبس ثياب الزهاد ليظن أنه زاهد وليس به، وفي الفائق للزمخشري المتشبع المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للمتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور، وهو الذي يزوّر على الناس بأن يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كانا ملبوسين لأجله وهو المسوغ للإضافة وأراد بالتشبيه أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر، وقال الكرماني: معناه المظهر للشبع وهو جائع كالمزور الكاذب المتلبس بالباطل وشبه الشبع بلبس الثوب بجامع أنهما يغشيان الشخص تشبيهًا حقيقيًّا أو تخييليًّا كذا قرّره السكاكي في قوله تعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} [النحل: 112].
فإن قلت: ما فائدة التثنية؟ قلت: المبالغة إشعارًا بالاتزار والارتداء يعني هو زور من رأسه إلى قدمه أو الإعلام بأن في المتشبع حالتين مكروهتين فقدان ما تشبع به وإظهار الباطل.
107 - باب الْغَيْرَةِ. وَقَالَ وَرَّادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي»
(باب الغيرة) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ذلك ما يكون بين الزوجين.
(وقال وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة مولى المغيرة وكاتبه فيما وصله المؤلّف مطولًا في الحدود (عن المغيرة) بن شعبة أنه قال: (قال سعد بن عبادة) الخزرجي الساعدي: (لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي غير ضارب بعرضه بل بحده للقتل والإهلاك لا بعرضه للزجر والإرهاب، قال القاضي عياض: فمن فتح جعله وصفًا للسيف وحالًا منه، ومن كسر جعله وصفًا للضارب وحالًا منه وفي حديث ابن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم لما نزلت هذه الآية {والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] الآية قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع يفتخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم"؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قط إلا عذراء ولا طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها من شدّة غيرته فقال سعد: والله إني
لأعلم يا رسول الله إنه لحق وإنها من عند الله ولكني عجبت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تعجبون من غيرة سعد) بهمزة الاستفهام الاستخباري أو الإنكاري أي لا تعجبوا من غيرة سعد (لأنا أغير منه) بلام التأكيد (والله أغير مني) وغيرته تعالى: تحريمه الفواحش والزجر عنها والمنع منها لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه.
5220 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفصر) قال: (حدّثنا أبي) هو حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شفيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما من أحد أغير من الله) ما يجوز أن تكون حجازية فأغير منصوب على الخبر وأن تكون تميمية فأغير مرفوع ومن زائدة على اللغتين
الصفحة 109
505