كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

الاستغناء عنهن، ومع أنهن ناقصات عقل ودين يحملن الرجل على تعاطي ما في نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشدّ الفساد.

18 - باب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ
(باب) جواز كون (الحرة تحت العبد) زوجة له إذا رضيت بذلك.
5097 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ، عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبُرْمَةٌ عَلَى النَّارِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ: «لَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ»؟ فَقِيلَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بربيعة الرأي (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصدّيق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى (ثلاث سنن) بضم السين وفتح النون الأولى أي طرق جمع سنة وهي الطريقة وإذا أطلقت في الشرع فالمراد بها ما أمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة.
إحداها أنها (عتقت) بفتحات أعتقتها عائشة (فخيرت) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول خيرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فسخ نكاحها من زوجها مغيث وبين المقام معه وكان عبدًا فاختارت نفسها. وفي مرسل عامر الشعبي عند ابن سعد في طبقاته أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها لما أعتقت: قد عتق بضعك معك فاختاري، وهذا مذهب المالكية والشافعية لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتعير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده وغير ذلك، وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم ولو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان وأحكام الرقّ، ويستثنى من ذلك ما إذا أعتقها مريض قبل الدخول وهي لا تخرج من ثلثه إلا بالصداق فلا خيار لها لأنها لو فسخت سقط مهرها وهو من جملة المال فيضيق الثلث عن الوفاء بها فلا تعتق كلها فلا يثبت الخيار وكل ما أدّى ثبوته إلى عدمه استحال ثبوته وهذه من صور
الدور الحكمي، وليس في هذا الحديث التصريح بكون زوج بريرة عبدًا ولا حرًّا، لكن صحيح البخاري يدل على أنه يمل إلى أنه كان حين عتقت عبدًا، وعنده في الطلاق من حديث عكرمة عن ابن عباس أنه كان عبدًا، وعند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث الأسود عن عائشة أنه كان حرًّا، وحمله بعض الحنفية على أنه كان حرًّا عندما خيرت وعبدًا قبل قال: الحرية تعقب الرقّ ولا ينعكس فمن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته ولم يخيرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان عبدًا ولا لأنه كان حرًّا وإنما خيرها للعتق لأن الأمة إذا أعتقت لها الخيار في نفسها سواء كان زوجها حرًّا أم عبدًا. وقد أفرد ابن جرير الطبري وابن خزيمة مؤلفًا في الاختلاف هل كان مغيث حرًّا أم عبدًا.
وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق.
(وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): في شأن بريرة لما أرادت عائشة أن تشتريها وتعتقها وشرط مواليها أن يكون الولاء لهم (الولاء لمن أعتق) الجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الولاء أي كائن أو مستقر لمن أعتق وبه يتعلق حرف الجر، ومن موصول وأعتق في موضع الصلة والعائد ضمير الفاعل، وسبق في العتق ما في الحديث من المباحث.
(ودخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبرمة على النار) بضم الموحدة وسكون الراء قال: ابن الأثير هي القدر مطلقًا وجمعها برام وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز والواو في قوله وبرمة للحال (فقرب إليه) بضم القاف وتشديد الراء المكسورة (خبز وأدم من أدم البيت) جمع أدام كإزار وأزر وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة إضافة تخصيص (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لم) وللأربعة ألم (أر البرمة) أي على النار فيها لحم والهمزة للتقرير والفعل مجزوم بحذف الألف المنقلبة عن الياء (فقيل) له عليه الصلاة والسلام هو (لحم تصدق به على بريرة) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة مبنيًّا لما لم يسم فاعله جملة في محل رفع صفة للحم، وسقط لغير أبي ذر لفظ به (وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك (قال) عليه الصلاة والسلام: (هو) أي اللحم (عليها) أي

الصفحة 26