كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

أو وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة، وجزم به ابن فارس واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاث مثاقيل ونصفًا. وعن بعض المالكية النواة عند
أهل المدينة ربع دينار ويشهد له قول أنس عند الطبراني في الأوسط: حزرناها ربع دينار، وعن الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهمًا فتكون خمسة دراهم.

50 - باب التَّزْوِيجِ عَلَى الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ
(باب التزويج على) تعليم (القرآن وبغير) ذكر (صداق).
5149 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، يَقُولُ: إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ. فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا. ثُمَّ قَامَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحْنِيهَا. قَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَذَهَبَ فَطَلَبَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ «اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».
وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (سمعت أبا حازم) سلمة بن دينار (يقول: سمعت سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- (يقول: إني لفي القوم عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ قامت امرأة) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمها قال وقول ابن القطاع في الأحكام إنها خولة بنت حكيم أو أم شريك نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب: 50] وفي رواية فضيل بن سليمان كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوسًا فجاءته امرأة فليس المراد من قوله إذ قامت امرأة أنها كانت جالسة في المجلس فقامت، وعند الإسماعيلي أنه كان في المسجد (فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك) أي أمر نفسها أو نحو ذلك، وإلاّ فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بغير صداق، وكان الأصل أن يقال: إني وهبت نفسي لك لكنه على طريق الالتفات، وفيه أن الهبة في النكاح من الخصائص لقوله ذلك وسكوته عليه الصلاة والسلام عليه فدلّ على جوازه له خاصة لقول الرجل بعد: زوّجنيها ولم يقل هبها لي مع قوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] (فر فيها رأيك) براء مفتوحة بغير همز أمر على وزن "ف" لأن عين الفعل ولامه حذفا لأن أصله رأى على وزن أفعل حذفت لام الفعل للجزم لأن الأمر مجزوم ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء للتخفيف فاستغني عن همزة الوصل فحذفت فبقي على وزن ف ولبعضهم بالهمزة الساكنة بعد الراء وكل سائغ (فلم يجبها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا ثم قامت) أي الثانية (فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها) عليه الصلاة والسلام (شيئًا، ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك) سقط للحموي من قوله فلم يجبها الثانية إلى هنا وسكوته عليه الصلاة والسلام إما حياءً أو انتظارًا للوحي (فقام رجل) من
الأنصار لم يقف الحافظ ابن حجر على تسميته، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ينكح هذه؟ فقام رجل (فقال: يا رسول الله أنكحنيها). وعند النسائي من حديث أبي هريرة جاءت امرأة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرضت نفسها عليه، فقال لها: "أجلسي" فجلست ساعة ثم قامت فقال: "أجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك ولكن تملكيني أمرك" قالت: نعم فنظر في وجوه القوم فدعا رجلًا فقال: "إني أريد أن أزوّجك هذا إن رضيت" قالت: ما رضيت لي فقد رضيت (قال):
(هل عندك من شيء)؟ تصدقها فيها إن النكاح لا بدّ فيه من الصداق وقد اتفق على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وُهب له دون الرقبة بغير صداق وفيه أيضًا أن الأولى ذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لأنه يثبت لها نصف المسمى إن طلقت قبل الدخول (قال: لا) زاد في رواية هشام بن سعد قال: فلا بدّ لها من شيء (قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد) قال عياض: لو تقليلية ووهم من زعم خلاف ذلك قال: والإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقًا ولا يحل به النكاح. قال في الفتح: فإن ثبت هذا فقد خرق هذا الإجماع ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو كان حبة شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ولو خاتمًا من حديد" لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فوقه وفيه أنه لا حدّ لأقل المهر وردّ على من قال: إن أقله عشرة دراهم، ومن قال ربع دينار لأن خاتم الحديد لا يساوي ذلك، قاله ابن

الصفحة 61