كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)
بمدّين من شعير) وهما نصف صاع لأن المدّ ربع صاع. قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين اسم التي أولم عليها صريحًا. نعم يحتمل أن تفسر بأم سلمة لحديثها عند ابن سعد عن شيخه الواقدي المذكور فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فآدمته عليه فكان ذلك طعام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وأما حديث أنس المروي من طريق شريك عن حميد عنه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ أو من الراوي عنه وهو جندل بن والق فإن مسلمًا والبزار ضعّفاه إنما المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي، وهذا الحديث مرسل لأن صفية ليست بصحابية أو صحابية لكنها لم تحضر القصة لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد وترويج المرأة كان بالمدينة وقد روى حديثها هذا أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقال فيه عن صفية عن عائشة والذين لم يذكروا عائشة أكثر عددًا وأحفظ وأعرف بحديث الثوري ممن زاد فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من
المزيد في متصل الأسانيد، وقد غلط من رواه عن منصور ابن صفية عن صفية بنت حيي انتهى ملخصًا.
71 - باب حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ، وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَلاَ يَوْمَيْنِ
(باب حق إجابة الوليمة) أي وجوب الإجابة إلى طعام العرس (والدعوة) بفتح الدال على المشهور وهي أعم من الوليمة لأن الوليمة خاصة بالعرس كما نقله ابن عبد البر عن أهل اللغة ونقل عن الخليل وثعلب وجزم به الجوهري وابن الأثير على هذا فيكون قوله والدعوة من عطف العام على الخاص (و) باب ذكر (من أولم سبعة أيام) كما رواه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام الحديث، وأخرجه البيهقي أيضًا من وجه آخر (ونحوه) أي نحو السبعة. قيل يشير إلى رواية عبد الرزاق حديث حفصة المذكور إذ فيه عنده ثمانية أيام بدل قوله في السابقة سبعة (ولم يؤقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للوليمة وقتًا معينًا يختص به الإيجاب أو الاستحباب لا (يومًا ولا يومين) نعم أخرج أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله قتادة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة". ولكن قال البخاري في تاريخه: لا يصح إسناده ولا يصح لزهير صحبة قال وقال ابن عمر وغيره عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب" ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها انتهى.
ولحديث زهير بن عثمان شواهد منها عند ابن ماجة من حديث أبي هريرة مثله، وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدًّا وأحاديث أُخر ضعيفة، لكن مجموعها يدل على أن للحديث أصلًا وقد عمل بظاهر ذلك الحنابلة والشافعية فقالوا: تجب في اليوم الأول وتستحب في الثاني وتكره فيما بعده.
5173 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». [الحديث 5173 - طرفه في: 5179].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها). قال في الفتح: أي فليأت مكانها والتقدير إذا دعي إلى مكان الوليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب، والمراد وليمة العرس لأنها
المعهودة عندهم، ويؤيده ما في مسلم أيضًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وتكون فرض عين إن لم يرض صاحبها بعذر المدعوّ وفي غيرها مستحبة، لكن في سنن أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره وقضيته وجوب الإجابة في سائر الولائم وبه أجاب جمهور العراقيين كما قاله الزركشي واختاره السبكي وغيره، ويؤيد عدم وجوبها في غير العرس أن عثمان بن العاص دعي إلى ختان فلم يجب. وقال: لم يكن يدعى له على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رواه أحمد في مسنده، وإنما تجب
الصفحة 72
505