كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)
المهملة وتخفيف الفاء السائلون ومحبوس أي موقوف عليهما.
(قالت) أم زرع: (خرج) زوجي (أبو زرع) من عندي (والأوطاب) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الطاء المهملة وبعد الألف موحدة زقاق اللبن واحدها وطب على وزن فلس فجمعه على أفعال مع كونه صحيح العين نادر، والمعروف وطاب في الكثرة وأوطب في القلة والواو للحال أي خرج والحال أن زقاق اللبن (تمخض) بالخاء والضاد المعجمتين مبنيًّا للمفعول ليؤخذ زبد اللبن، ويحتمل أنها أرادت أن خروجه كان غدوة وعندهم الخير الكثير من اللبن الغزير بحيث يشربه صريحًا ومخيضًا ويفضل عندهم حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده، ويحتمل أنها أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان زمن الخصب والربيع، وكان خروجه إما لسفر أو غيره فلم تدر ما يحدث لها بسبب خروجه (فلقي امرأة) لم أقف على اسمها (معها ولدان لها) أي يسميا (كالفهدين) وفي رواية ابن الأنباري كالصقرين، وفي رواية الكاذي كالشبلين (يلعبان من تحت خصرها) وسطها (برمانتين) لأنها كانت ذات كفل عظيم فإذا استلقت على ظهرها ارتفع كفلها بها من الأرض حتى يصير تحتها فجوة تجري فيها الرمانة، وحمل بعضهم الرمانتين على النهدين محتجًّا بأن العادة لم تجر بلعب الصبيان ورميهم الرمان تحت أصلاب أمهاتهم. قال: ولعله مدر من كلام بعض الرواة، أورده على سبيل التفسير الذي ظنه فأدرج في الخبر، ورجحه القاضي عياض وتعقب بأن الأصل عدم الإدراج (فطلقني ونكحها) لما رأى من نجابة ولديها إذ كانوا يرغبون أن تكون أولادهم من النساء المنجبات
في الخلق والخُلق، وفي رواية الحارث بن أبي أسامة فأعجبته فطلقني (فنكحت) تزوجت (بعده رجلًا) أي يسم (سريًّا) بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية أي خيارًا (ركب) فرسًا (شريًّا) بالشين المعجمة فائقًا يستشري في سيره يمضي فيه بلا فتور ولاء (وأخذ) رمحًا (خطيًّا) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة المكسورة والتحتية المشددتين صفة موصوف محذوف والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح (وأراح) بفتح الهمزة والراء آخره حاء مهملة من الإراحة وهي الإتيان إلى موضع المبيت بعد الزوال (عليّ) بتشديد التحتية (نعمًا) بفتح النون والعين واحد الأنعام وأكثر ما يقع على الإبل (ثريًّا) بفتح المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتية أي كثيرًا والثروة كثرة العدد وقول التنقيح كغيره وحقه أن يقول ثرية، ولكن وجهه بأن كل ما ليس بحقيقي التأنيث لك فيه وجهان في إظهار علامة التأنيث في الفعل واسم الفاعل والصفة أو تركها، تعقبه في المصابيح بأن هذا إنما هو بالنسبة إلى ظاهر غير الحقيقي التأنيث، وأما بالنسبة إلى ضميره فبالتأنيث قطعًا إلا في الضرورة مع التأويل وإلاّ فمثل قولك: الشمس طلع أو طالع ممتنع وعلى تقدير تسليم ذلك فلا يتمشى في هذا المحل فقد قال الفراء: إن النعم مذكر لا مؤنث يقولون هذا نعم وارد (وأعطاني من كل رائحة) من كل شيء يأتيه من أصناف الأموال التي تأتيه وقت الرواح (زوجًا) أي اثنين ولم يقتصر على الفرد من ذلك بل ثنّاه وضعفه إحسابًا إليها (وقال كلي) يا (أم زرع وميري أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام (قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع). وللطبراني فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه، والظاهر أنه للمبالغة وإلا فالإناء أو الوعاء لا يسع ما ذكرت أنه أعطاها من أصناف النِعم، والحاصل أنها وصفت هذا الثاني بالسؤدد في ذاته والثروة والشجاعة والفضل والجود لكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي ما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها، ومع ذلك لم يقع عندها موقع أبي زرع وأن كثيره دون قليل أبي زرع مع إساءة أبي زرع لها أخيرًا في تطليقها، ولكن حبها له بغّض إليها الأزواج لأنه أول أزواجها فسكنت عبته في قلبها كما قيل:
ما الحب إلا للحبيب الأول
الصفحة 90
505