كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 8)

وَسَلَّمَ- نساءه ومنهن حفصة (فجئت المشربة التي فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت لغلام له أسود): اسمه رباح بالراء المفتوحة والموحدة المخففة (استأذن) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لعمر فدخل الغلام فكلّم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك (ثم رجع فقال: كلمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكرتك له فصمت) بفتح الصاد المهملة والميم فسكت كالآتية (فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت) ثانيًا (فقلت للغلام) رباح: (استأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام) ثالثًا (فقلت استأذن لعمر فدخل ثم رجع إليّ) بتشديد الياء وهذه اللفظة ساقطة في الأوليين (فقال قد ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت فلما وليت منصرفًا قال: إذا الغلام) رباح (يدعوني فقال: قد أذن لك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا هو مضطجع على رمال حصير) بكسر الراء وتضم أي على سرير مرمول بما يرمل به الحصير أي ينسج ورمال الحصير ضلوعه المتداخلة فيه كالخيوط في الثوب (ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه) الشريف حال كونه (متكئًا) ولأبي ذر: متكئ بالرفع أي وهو متكئ (على وسادة من أدم) جلد (حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت) له (وأنا قائم يا رسول الله أطلقت نساءك)؟ بهمزة الاستفهام (فرفع) عليه الصلاة والسلام (إليّ بصره فقال):
(لا) لم أطلقهن (فقلت: الله أكبر) تعجبًا مما أخبرني به الأنصاري من التطليق جازمًا به أو حامدًا الله تعالى على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق (ثم قلت: وأنا قائم) حال كوني (أستأنس) وجزم القرطبي بأنه للاستفهام. قال في الفتح: فيكون أصله بهمزتين تسهل إحداهما وقد تحذف تخفيفًا أي أنبسط في الحديث وأستأنس في ذلك (يا رسول الله). منادى مضاف (لو رأيتني) بفتح التاء الفوقية (وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا) الأنصار (قوم تغلبهم نساؤهم) وذكر مراجعته زوجته له إلى آخر ذلك (فتبسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ضحك من غير صوت (ثم قلت: يا رسول الله لو رأيتني) بفتح الفوقية (ودخلت على حفصة فقلت لها: لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ) أجمل (منك وأحب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد) عمر (عائشة فتبسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبسمة) بضم السين ولأبي ذر عن الكشميهني بكسرها من غير مثناة تحتية فيهما كذا من الفرع وأصله، وقال في الفتح: تبسمة بتشديد السين وللكشميهني تبسيمة (أخرى فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته) أي نظرت فيه (فوالله ما رأيت في بيته شيئًا يردّ البصر غير أهبة) بفتح الهمزة والهاء منوّنة جلود (ثلاثة) أي تدبغ أو مطلقًا دبغت أو لم تدبغ (فقلت: يا رسول الله ادع الله) عز وجل (فليوسع على أمتك فإن فارسًا) بالصرف ولأبي ذر فارس بعدمه (والروم قد وسع
عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله فجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان متكئًا فقال: وفي هذا أنت) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر بعدها. قال الكرماني: أي أنت في مقام استعظام التجملات الدنيوية واستعجالها (يا ابن الخطاب) وعند مسلم من رواية معمر أو في شك: أنت يا ابن الخطاب كرواية عقيل السابقة في المظالم أي أنت في شك أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (وأن أولئك) فارس والروم (قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي) عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها (فاعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة) وذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله تفعل هذا معي دون نسائك. فقال: "لا تخبري أحدًا هي عليّ حرام" فأخبرت عائشة أو السبب تحريم العسل السابق ذكره في سورة

الصفحة 94