كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 8)

قَوْلُهُ (خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزبير وبن صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ) يَثْبُتُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ قَامَ حِينَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ وَرِوَايَاتُ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ
وَرَجَّحَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ النَّافِيَةَ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَسُفْيَانُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِبَالِ الْحِفْظِ إِلَّا أَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ وَفِيهِمْ مِثْلُ شُعْبَةَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ رِوَايَتُهُمْ مَحْفُوظَةً مِنَ الواحد وقد اتفقوا على أن بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَقُمْ (مَنْ سَرَّهُ) أَيْ أَعْجَبَهُ وَجَعَلَهُ مَسْرُورًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ أَحَبَّ (أَنْ يَتَمَثَّلَ) أَيْ يَنْتَصِبَ (لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا) أَيْ يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمِينَ لِتَعْظِيمِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُثُولًا أَيِ انْتَصَبَ قَائِمًا
قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قِيَامًا مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِمَا فِي الِانْتِصَابِ مِنْ مَعْنَى الْقِيَامِ وَأَنْ يَكُونَ تَمْيِيزُ الِاشْتِرَاكِ المثول بين المعنيين (فليتبوأ) أي فليهيىء (مقعده من النار) لفظه الأمر معناه الْخَبَرُ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ سَرَّهُ ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةً مِنَ النَّارِ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ
فَقَالَ لَا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا
قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ كَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَأَمَّا إِكْرَامُ الدَّاخِلِ بِالْقِيَامِ فَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ
وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ وَأَفْعَالَهُمِ الدَّالَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ
وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا خَالَفَهَا وَأَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْهُ فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَرَغِبَ فِي مُطَالَعَتِهِ رَجَوْتُ أَنْ يَزُولَ إِشْكَالُهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَدْ نَقَلَ بن الحاج ذلك الجزء في كتابه المدخل وتعقب عَلَى كُلِّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فَمِنْ أَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حكم

الصفحة 25