كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 8)

قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَأَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الرُّوحِ يَحْتَمِلُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَهَلْ هِيَ مُتَحَيِّزَةٌ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ حَالَّةٌ فِي مُتَحَيِّزٍ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أو حادثة وهي تَبْقَى بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنَ الْجَسَدِ أَوْ تَفْنَى وَمَا حَقِيقَةُ تَعْذِيبِهَا وَتَنْعِيمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا قَالَ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُخَصِّصُ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَهَلِ الرُّوحُ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ
وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُغَايِرٌ لِلطَّبَائِعِ وَالْأَخْلَاطِ وَتَرْكِيبُهَا فَهُوَ جَوْهَرٌ بَسِيطٌ مُجَرَّدٌ لَا يَحْدُثُ إِلَّا بِمُحْدِثٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى كُنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إِفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ
قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد أَيْ فِعْلُهُ
فيكون الْجَوَابُ الرُّوح مِنْ فِعْلِ رَبِّي إِنْ كَانَ السُّؤَالُ هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِنَّهَا حَادِثَةٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ سَكَتَ السَّلَفُ عَنِ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا انْتَهَى (وَمَا أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ تَعَالَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
قَوْلُهُ (عَنْ علي بن زيد) هو بن جَدْعَانَ (عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ وَاسْمُ أَبِي أَوْسٍ خَالِدٌ الْحِجَازِيُّ يُكَنَّى أَبَا خَالِدٍ مَجْهُولٌ وَقِيلَ إِنَّهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ فَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّ لَهُ كُنْيَتَيْنِ
قَوْلُهُ (صِنْفًا مُشَاةً) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مَاشٍ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ خَلَطُوا صَالِحَ أَعْمَالِهِمْ بِسَيِّئِهَا (وَصِنْفًا رُكْبَانًا) أَيْ عَلَى النُّوقِ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْكَامِلُونَ الْإِيمَانَ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْمُشَاةِ جَبْرًا لِخَاطِرِهِمْ كَمَا قِيلَ في قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إناثا أَوْ لِأَنَّهُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَى الْمَغْفِرَةِ أَوَّلًا أَوْ لِإِرَادَةِ التَّرَقِّي وَهُوَ ظَاهِرٌ
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ بَدَأَ بِالْمُشَاةِ بِالذِّكْرِ قَبْلَ أُولِي السَّابِقَةِ

الصفحة 459