كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 3 30
ولن يبرزها لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنينَ فتبقى أمورُهم مستورةً والمعنى أنَّ ذلك مما لا يكادُ يدخلُ تحتَ الاحتمال
{ولو نشاء} إرامتهم {لأريناكهم} لعرّفناكَهُم بدلائلَ تعرفُهم بأعيانِهم معرفةً متاخمةٌ للرؤيةِ والالتفات الى نون العغظمة لإبراز العناية بالإارءة {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} بعلامتهم التي نسِمهُم بها وعن أنسٌ رضيَ الله عنه ما خَفِيَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذهِ الآيةِ شىءٌ من المنافقين كان يعرفُهم بسيماهم ولقد كنا في بعضِ الغزواتِ وفيها تسعةٌ من المنافين يشكُوهم الناسُ فناموا ذاتَ ليلةٍ وأصبحوا وعلى كلِّ واحدٍ منهم مكتوبٌ هذا منافقٌ واللامُ لامُ الجوابِ كُررتْ في المعطوفِ للتأكيدِ والفاءُ لترتيبِ المعرفةِ على الإراءةِ وأمَّا ما في قولِه تعالى {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ القول} فلجوابِ قسمٍ محذوفٍ ولحنُ القولِ نحوُه وأسلوبُه أو إمالتُه إلى جهةِ تعريضٍ وتوريةٍ ومنه قيلَ للمُخطىءِ لاحنٌ لعدلِه بالكلامِ عن سمتِ الصوابِ {والله يَعْلَمُ أعمالكم} فيجازيكُم بحسب قصدِكم وهذا وعدٌ للمؤمنين وإيذانٌ بأنَّ حالَهم بخلافِ حالِ المنافقينَ
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} بالأمرِ بالجهادِ ونحوهِ من التكاليفِ الشاقةِ {حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} على مشاقِّ الجهادِ علماً فعلياً يتعلقُ به الجزاءَ {وَنَبْلُوَ أخباركم} ما يخبرُ به عن أعمالِكم فيظهرُ حسنُها وقبيحُها وقُرِىءَ ويبلوَ بالياء وقُرِىءَ نبلُوْ بسكونِ الواو على ونحن نبلو
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ} الناس {عن سبيل الله وَشَاقُّواْ الرسول} وعادَوه {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} بما شاهدُوا نعتَه عليه الصلاة والسلام في التوراة وبما ظهر على يديهِ من المعجزاتِ ونزلَ عليه من الآياتِ وهم قريظةُ والنضيرُ أو المطعمونَ يومَ بدرٍ {لَن يَضُرُّواْ الله} بكُفرِهم وصدِّهم {شَيْئاً} من الأشياءِ أو شيئا من الضرر أو لن يضرُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بمشاقَّتِه شيئاً وقد حُذفَ المضافُ لتعظيمِه وتفظيعِ مشاقَّته {وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} أي مكايدَهُم التي نصبُوها في إبطالِ دينِه تعالى ومُشاقَّةِ رسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فلا يصلونَ بَها إلى ما كانُوا يبغونَ من الغوائلِ ولا تُثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم
{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} بما أبطلَ به هؤلاءِ أعمالَهم من الكفرِ والنفاقِ والعُجبِ والرياءِ والمنِّ والأَذَى ونحوِها وليسَ فيه دليلٌ على إحباطِ الطاعاتِ بالكبائرِ

الصفحة 101