كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 8 34
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} حكمٌ يعمُّ كلَّ مَن ماتَ على الكُفر وإنْ صحَّ نزولُه في أصحابِ القَليبِ
{فَلاَ تَهِنُواْ} أي لا تضعُفوا {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} أي ولا تدْعوا الكفارَ إلى الصلحِ خَوَراً فإنَّ ذلك إعطاءُ الدنيَّةِ ويجوزُ أنْ يكونَ منصُوباً بإضمارِ أنْ على جوابِ النَّهي وقُرِىءَ ولا تدَّعُوا من أدعى القوم تَدَاعَوا نحوُ ارتَموا الصيدَ وترامواه ومنه تراءَوا الهلالَ فإنَّ صيغةَ التَّفاعلِ قد يُرادُ بها صدورُ الفعلِ عن المتعددِ من غير اعتبار وقوعِه عليه ومنه قولُه تعالى عَمَّ يَتَسَاءلُونَ على أحدِ الوجهينِ والفاءُ لترتيبِ النهْيِ على ما سبقَ من الأمرِ بالطَّاعةِ وقولُه تعالى {وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ} جملةٌ حاليةٌ مقررةٌ لمعنى النَّهي مؤكدةٌ لوجوبِ الانتهاءِ وكذا قولُه تعالى {والله مَعَكُمْ} فإنَّ كونَهمُ الأعلينَ وكونَهُ عزَّ وجلَّ ناصرَهُم من أَقْوى موجباتِ الاجتنابِ عمَّا يُوهم الذلَّ والضراعةَ وكذا نوفيته تعالى لأجور الأعمال حسبما يُعرب عنه قوله تعالى {وَلَن يَتِرَكُمْ أعمالكم} أيْ ولن يضيَّعها من وتَرتَ الرجلَ إذا قتلتَ له قتيلاً من ولدٍ أو أخٍ أو حميمٍ فأفردَتُه عنه من الوترِ الذي هُو الفردُ وعُبِّرَ عن تركِ الإثابةِ في مقابلةِ الأعمالِ بالوترِ الذي هو إضاعةُ شيءٍ معتدَ به من الأنفس والأموال مع أن الأعمالَ غيرُ موجبة للثواب على قاعدة أهل السنة إبراز لغايةِ اللطفِ بتصويرِ الثوابِ بصورةِ الحقِّ المستحقِّ وتنزيلِ تركِ الإثابةِ منزلةَ إضاعةِ أعظمِ الحقوقِ وإتلافِها وقد مر في قوله تعالى فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ
{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} لاثبات لها ولا اعتدادَ بها {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي ثوابَ إيمانِكم وتقواكم من الباقياتِ الصالحاتِ التي يتنافسُ فيها المتنافسونَ {ولا يسألكم أموالكم} بحيثُ يخلُّ أداؤُها بمعاشِكم وإنما اقتصرَ على نَزْرٍ يسيرٍ منَها هُو ربعُ العُشرِ تُؤدونَها إلى فقرائكم
{إن يسألكموها} أي أموالَكم {فَيُحْفِكُمْ} أي يُجهدْكُم بطلبِ الكلِّ فإن الإحفاءَ والإلحافَ المبالغةُ وبلوغُ الغايةِ يقالُ أحفَى شاربَهُ إذا أشتأصله {تَبْخَلُواْ} فلا تُعطُوا {وَيُخْرِجْ أضغانكم} أي أحقادَكُم وضميرُ يُخرج لله تعالى ويعضدُه القِراءةُ بنونِ العظمةِ أو للبخل لأنه سبب الأضعان وقُرِىءَ يَخرجُ من الخروجِ بالياء والتاء مسند الى الأضعان
{ها أَنتُمْ هؤلاء} أي أنتُم أيها المخاطبون

الصفحة 102