كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

متصفينَ بمزيدِ استحقاقٍ لَها على أن صيغة التفضيل للزيادة مُطلقاً وقيلَ أحقُّ بَها منَ الكُفارِ {وَأَهْلُهَا} أي المستأهلَ لها {وَكَانَ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيماً} فيعلم حقَّ كلِّ شيءٍ فيسوقه إلى مستحقِّهِ
{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا} رَأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبلَ خروجِه إلى الحُديبيةِ كأنَّه وأصحابَهُ قد دخلُوا مكةَ آمنينَ وقد حلقُوا رؤسهم وقصَّروا فقصَّ الرؤيا على أصحابهِ ففرحوا واستبشرُوا وحسبُوا أنَّهم داخلُوها في عامِهم فلمَّا تأخرَ ذلكَ قال عبدُ اللَّه بنُ أبي وعبدُ اللَّهِ بن نُفيلٍ ورفاعة بن الحرث والله ما حلقنَا ولا قصَّرنَا ولا رأينا المسجد الحرامَ فنزلتْ أي صدَقه صلى الله عليه وسلم في رُؤياهُ كَما في قولِهم صَدَقني سِنُّ بَكْرِهِ وتحقيقُه أراهُ الرؤيا الصادقةَ وقوله تعالى {بالحق} إما صفةٌ لمصدرٍ مؤكدٍ محذوفٍ أي صدقاً ملتبساً بالحقِّ أى بالغرض الصحيح والحمكة البالغة اليت هيَ التمييزُ بين الراسخِ في الإيمانِ والمتزلزلِ فيه أو حالٌ من الرُّؤيا أي ملتبسةً بالحقِّ ليستْ من قبيلِ أضغاثِ الأحلامِ وقد جوز أن يكون قسماً بالحقِّ الذي هُو من أسماءِ الله تعالى أو بنقيضِ الباطلِ وقولُه تعالَى {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} جوابُه وهو عَلى الأولينِ جوابُ قسمٍ محذوفٍ أيْ والله لتدخلنَّ إلخ وقولُه تعالَى {إِنَّ شَاء الله} تعليقٌ للعِدَة بالمشيئةِ لتعليمِ العباد أو للإشعارِ بأنَّ بعضَهُم لا يدخلونَهُ لموتٍ أو غَيبةٍ أو غيرِ ذلكَ أو هيَ حكايةٌ لما قالَهُ ملكُ الرُّؤيا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أول لما قالَه عليه الصَّلاةُ والسلام لأصحابه {آمنين} حالٌ من فاعلِ لتدخُلنَّ والشرطُ معترضٌ وكذا قولُه تعالى {محلقين رؤوسكم وَمُقَصّرِينَ} أي مُحلِّقاً بعضُكم ومُقصِّراً آخرونَ وقيلَ مُحلِّقينَ حالٌ منْ ضميرِ آمنينَ فتكون متداخلةً {لاَ تخافون} حالٌ مؤكدةٌ من فاعلِ لتدخلن أو آمنن أو محلِّقينَ أو مقصِّرينَ أو استئنافٌ أيْ لا تخافونَ بعدَ ذلكَ {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} عطفٌ على صدقَ والمرادُ بعلمِه تعالى العلم الفعلى المتعلق بأمرٍ حادثٍ بعد المعطوفِ عليه أي فعلمَ عَقيبَ ما أراهُ الرؤيا الصادقةَ مالم تعلمُوا منَ الحكمةِ الداعيةِ إلى تقديمِ ما يشهدُ بالصدقِ علماً فعلياً {فَجَعَلَ} لأجلِه {مِن دُونِ ذَلِكَ} أي من دونِ تحققِ مصداق ما رآه من دخولِ المسجدِ الحرامِ إلخ {فَتْحاً قَرِيباً} وهُو فتحُ خيبرَ والمرادُ بجعلِه وعدُه وإنجازُه من غير تسويفٍ ليستدل به على صدقِ الرُّؤيا حسبمَا قالَ ولتكونَ آيةً للمؤمنينَ وأمَّا جعلُ ما في قولِه تعالى ما لم تعلمُوا عبارةً عن الحكمةِ في تأخيرِ فتحِ مكةَ إلى العامِ القابلِ كما جنحَ إليه الجمهورُ فتأباه الفاءُ فإن علمَه تعالَى بذلكَ متقدمٌ على إراءةِ الرؤيا قطعاً
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} أي ملتبساً به أو بسببهِ ولأجلِه {وَدِينِ الحق} وبدينِ الإسلامِ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} ليعليه على جنسِ الدينِ بجميعِ أفرادِه التي هي الأديانُ المختلفةُ بنسخِ ما كان حقاً من بعضِ

الصفحة 113