كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

شروعٌ في بيانِ حُسنِ أحوالِ المؤمنينَ في الدُّنيا والآخرةِ بعد بيانُ سوءِ حالِ الكفرةِ فيهَما أيُ قالوا اعترافاً بربوبيتِه تعالَى وإقراراً بوحدانيتِه {ثُمَّ استقاموا} أي ثبتُوا على الإقرارِ ومقتضياتِه على أن ثمَّ للتراخِي في الزمان أو في الرتبةِ فإنَّ الاستقامةَ لها الشأنُ كلُّه وما رُويَ عن الخلفاءِ الراشدينَ رضي الله تعالى عنْهُم فِي معناهَا من الثباتِ على الإيمانِ وإخلاصِ العملِ وأداءِ الفرائضِ بيانٌ لجزئياتِها {تَتَنَزَّلُ عليهم الملائكة} من جهتِه تعالَى يُمدونُهم فيما يَعِنُّ لهَمُ منَ الأمور الدينية والدونيوية بما يشرح صدورَهُم ويدفعُ عنهم الخوفَ والحزنَ بطريقِ الإلهامِ كما أن الكفرةَ يُغويهم ما قُيضَ لهم من قرناءِ السوءِ بتزيينِ القبائحِ وقيلَ تتنزلُ عندَ الموتِ بالبُشرى وقيلَ إذَا قامُوا من قبورِهم وقيلَ البُشرى في مواطنَ ثلاثةٍ عندَ الموتِ وفي القبرِ وعند البعثِ والأظهر هو العمومُ والإطلاقُ كما ستعرفُه {أَلاَّ تَخَافُواْ} ما تُقْدمونَ عليه فإنه الخوف غم يلحف لتووقع المكروِه {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على ما خلّفتُم فإنه غمٌّ يحلق لوقوعِه من فواتِ نافعٍ أو حصول ضلار وقيلَ المرادُ نهيُهم عن الغمومِ على الاطلاقِ والمَعنْى أن الله تعالى كتبَ لكُم الأمنَ من كلِّ غمَ فلنْ تذقوه أباد وأنْ إمَّا مفسرةٌ أو مخففةٌ من الثقيلةِ والأصلُ بأنها لا تخافُوا والهاءُ ضميرُ الشأنِ وقُرِىءَ لا تخافُوا أيْ يقولونَ لا تخافُوا على أنه حال من الملائكة أو اشتئناف {وَأَبْشِرُواْ} أي سُرُّوا {بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدُّنيا على ألسنةِ الرُّسلِ هَذا منْ بشاراتِهم في أحدِ المواطنِ الثلاثةِ وقولُه تعالى
{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا} الخ من بشاراتِهم في الدُّنيا أي أعوانُكم في أمورِكم نُلهمكُم الحقَّ ونرشدكم الى مافيه خيرُكُم وصلاحُكُم ولعلَّ ذلكَ عبارةٌ عما يخطرُ ببال المؤمنينَ المستمرينَ على الطاعات من أن ذلك بتوفيق الله تعالى وتأيده لهم بواسطة الملائكةِ عليهم السلام {وَفِى الأخرة} نمدكُم بالشفاعة ونتلقاكُم بالكرامةِ حينَ يقع بين الكفرة وقرانائهم ما يقعُ من التعادِي والخصامِ {وَلَكُمْ فِيهَا} أي في الآخرة {مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} من فنون الطيباتِ {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} ما تمنون افتعالٌ منَ الدُّعاء بمعنى الطلبِ أي تدَّعون لأنفسِكم وهو أعمُّ من الأول ولكُم في الموضعينِ خبرٌ ومَا مبتدأٌ وفيها حالٌ من ضميره في الخبر وعدمُ الاكتفاءِ بعطفِ ما تدَّعُون عَلى ما تشتهِي للإشباعِ في البشارة والإيذانِ باستقلالِ كلِّ منهما
{نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} حالٌ مما تدَّعون مفيدةٌ لكون ما يتمنَّونَهُ بالنسبة الى ما عطون من عظائم الأجورِ كالنزل للضيفِ
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله} أي إلى توحيده تعالى وطاعته عن ابن عباس رضي الله عنهما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الى الإسلام

الصفحة 13