كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 4 20
وقُرِىءَ سَكَراتُ الموتِ {ذلك} أي الموتُ {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أيْ تميلُ وتنفِرُ عَنْهُ والخطابُ للإنسانِ فإنَّ النفرةَ عنْهُ شاملةٌ لكُلِّ فردٍ منْ أفرادِهِ طَبْعاً
{وَنُفِخَ فِى الصور} هيَ النفخةُ الثانيةُ {ذلك} أيْ وقتُ ذلكَ النفخِ عَلَى حذفِ المضافِ {يَوْمَ الوعيد} أيْ يومُ إنجازِ الوعيدِ الواقعِ في الدُّنيا أيْ يومُ وقوعِ الوعيدِ على أنَّه عبارةٌ عن العذابِ الموعودِ وقيلَ ذلكَ إشارةٌ إِلى الزمانِ المفهومِ منْ نُفِخَ فإنَّ الفعلَ كَما يدلُّ عَلى الحدثِ يدلُّ عَلى الزمانِ وتخصيصُ الوعيد بالذكرِ معَ أنَّه يومُ الوعدِ أيضاً لتهويلِه ولذلكَ بدىءَ ببيانِ حالِ الكفرةِ
{وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ} منَ النفوسِ البرةِ والفاجرةِ {مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} وإنِ اختلفتْ كيفيةُ السَّوقِ والشهادةِ حسبَ اختلافِ النفوسِ عملاً أيْ مَعها ملكانِ أحدُهما يسوقُها إلى المحشرِ والآخرُ يشهدُ بعملِها أو ملكٌ جامعٌ بينَ الوصفينِ كأنَّه قيلَ معَها ملكٌ يسوقُها ويشهدُ علَيها وقيلَ السائقُ كاتبُ السيئاتِ والشهيدُ كاتبُ الحسناتِ وقيلَ السائقُ نفسُه أو قرينُه والشهيدُ جوارحُه أوْ أعمالُه ومحلُّ مَعَها النصبُ عَلى الحاليِّةِ منْ كُلُّ لإضافتِه إلى ما هُوَ في حُكمِ المعرفةِ كأنَّه قيلَ كُلُّ النفوسِ أو الجرُّ عَلى أنَّه وصفٌ لنفسٌ أو الرفعُ عَلى أنَّه وصفٌ لكلّ وقولُه تعالَى
{لقد كنت فى غفلة مّنْ هذا} محكيٌّ بإضمارِ قولٍ هُو إمّا صفةٌ أُخرى لنفسٍ أو حالٌ أخرَى منْها أو استئنافٌ مبنيُّ على سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل فماذا يفعلُ بها فقيلَ يقالُ لقدِ كنتَ في غفلةٍ إلخ وخطابُ الكُلِّ بذلكَ لما أنَّه ما منْ أحدٍ إلا ولَهُ غفلة ما من الآخرةِ وقيلَ الخطابُ للكافرِ وقُرِىءَ كُنْتِ بكسرِ التاءِ على اعتبارِ تأنيثِ النفسِ والتذكيرُ عَلى القراءةِ المشهورةِ بتأويلِ الشخصِ كما في قول جَبَلةَ بنِ حُريث ... يا نفسُ إِنكَ باللذاتِ مسرورا ... فاذكر فهل ينفعك اليومَ تذكيرُ ...
{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} الغطاء الحجابُ المُغطِّي لأمورِ المعادِ وهو الغفلةُ والإنهماكُ في المحسوساتِ والألْفُ بها وقصرُ النظرِ عَلَيها {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} نافذٌ لزوالِ المانعِ للإبصارِ وَقُرِىءَ بكسر الكاف ف المواللضع الثلاثةِ
{وَقَالَ قَرِينُهُ} أي الشيطانُ المُقيَّضُ لهُ مشيراً إليهِ {هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} أيْ هَذا مَا عِنْدي وَفي ملكتِي عتيدٌ لجهنَم قدْ هيأتُه لهَا بإغوائِي وإضلالِي وَقيلَ قالَ المَلكُ الموكلُ بهِ مشيراً إِلى مَا معهُ منْ كتابِ عملهِ هذا مكتوبٌ عندِي عتيدٌ مهيأٌ للعرض وما إن جعلت موصوفة فعتيد صفتها وإن جعلت موصولة فهي بدل مِنْهَا أو خبر بعد خبر أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ
{أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ} خطابٌ منَ الله تعالَى للسائقِ والشهيدِ أو للملكينِ منْ خَزَنةِ النارِ

الصفحة 130