كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 2 30
الكلى وتبين أنَّ عدمَ تبديلِ القولِ وتحقيقَ موجبِ الوعيدِ ليسَ منْ جهتِه تعالَى منْ غيرِ استحقاقٍ لهُ منهُمْ بَلْ إنما ذلكَ بما صدرَ عنْهم منَ الجناياتِ الموجبةِ لهُ حسبمَا أشيرَ إليهِ آنِفاً أيُ وَمَا أنَا بمعذبٍ للعبيدِ بغيرِ ذنب ليس يبظلم على ما تقرر من قاعدةِ أهلِ السُنَّةِ فضلاً عن كونِه ظلماً مُفرطاً لبيانِ كمالِ نزاهتِه تعالَى عنْ ذلكَ بتصويرِه بصورةِ ما يستحيلُ صدورُه عنْهُ سبحانَهُ منَ الظلمِ وصيغةُ المبالغةِ لتأكيدِ هَذا المَعْنى بإبرازِ ما ذُكر من التعذيبِ بغيرِ ذنبٍ في معرضِ المبالغةِ في الظلمِ وقيل هي لرعاية جميعه العبيدِ من قولِهم فلانٌ ظالمٌ لعبدهِ وظلاَّم لعبيدِه على اها مبالغة كما لا كيف
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلات وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} سؤالٌ وجوابٌ جيءَ بهمَا عَلى منهاجِ التمثيلِ والتخييل لتهويل أمرها ولمعنى أنَّها معَ اتِّساعِها وتباعدِ أقطارِها تطرحُ فيَها منَ الجِنَّةِ والنَّاسِ فوجاً بعدَ فوجٍ حَتَّى تمتلىء أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد محل فارغ أو انها لغيظها عى العصاة تطلب زيادتَهُم وقُرِىءَ يقولُ بالياءِ والمزيدُ إمَّا مصدرٌ كالمحيدِ والمجيدِ أو مفعولٌ كالمبيعِ ويوم ما منصوبٌ باذكُرْ أوْ أنذِرْ أو ظرف لنفخ فتكون ذلكَ حينئذٍ إشارةٌ إليهِ منْ غيرِ حاجةٍ إلى تقرير مضافٍ أو لمقدرٍ مؤخرٍ اى يكون من الأحو والأهوالِ ما يقصرُ عنْهُ المقالُ
{وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} شروعٌ في بيانِ حالِ المؤمنينَ بعدَ النفخِ ومجيءِ النفوسِ إِلى موقفِ الحسابِ وقدْ مر سر تقديم حالِ الكفرةِ عليهِ وهو عطفٌ عَلى نُفِخَ أيْ قربتْ للمتقينَ عنِ الكفرِ والماعصى بحيثُ يُشاهدونها من الموقفِ ويقفُون عَلى ما فَيها من فنُون المحاسنِ فيبتهجُون بأنَّهم محشورونَ إليَها فائزونَ بَها وقولُه تعالَى {غَيْرَ بَعِيدٍ} تأكيدٌ للإزلافِ أيْ مكاناً غيرَ بعيدٍ بحيثُ يشاهدُونَها أوْ حالُ كونِها غيرَ بعيدٍ أيْ شيئاً غيرَ بعيدٍ ويجوزُ أنْ يكونَ التَّذكيرُ لكونِه على زنةِ المصدرِ الذي يستوِي في الوصفِ بهِ المذكرُ والمؤنثُ أوْ لتأويلِ الجنةِ بالبستانِ
{هذا مَا تُوعَدُونَ} إشارةٌ إِلى الجَنَّةِ والتذكيرُ لَمَا أنَّ المشارَ إليهِ هُوَ المسمَّى منْ غيرِ أنْ يخطُر بالبالِ لفظٌ يدلُّ عليه فضلا عن تذكيرِه وتأنيثِه فإنَّهما منْ أحكامِ اللفظِ العربيِّ كَما مرَّ في قوله تعالى فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةًً قَالَ هذا رَبّى وقولُه تعالَى وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ لتذكيرِ الخبرِ وقيلَ هُو إشارةٌ إلى ثواب وقيلَ إلى مصدرِ أزلفتْ وقُرِىءَ يُوعَدُونَ والجملةُ إمَّا اعتراضٌ بينَ البدلِ والمبدلِ مِنْهُ وإمَّا مقدرٌ بقولٍ هُوَ حالٌ منَ المتقينَ أو منَ الجنَّةِ والعاملُ أزلفتْ أيْ مقولاً لهُمْ أو مقولاً في حَقِّها هَذا ما توعدونَ {لِكُلّ أَوَّابٌ} أيْ رجَّاع إلى الله تعالَى بدلٌ منْ المتقينَ بإعادةِ الجارِّ {حَفِيظٌ} حافظ لتوبته من النقص وقيلَ هُوَ الذَّي يحفظُ ذنوبَهُ حتَّى يرجعَ عنْهَا ويستغفرَ مِنْها وقيلَ هُو الحافظُ لأوامرِ الله تعالَى وقيلَ لِمَا استودَعَهُ الله تعالَى مِنْ حقوقِها

الصفحة 132