كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 4 20
ويعذبونَ ويجوزُ أنْ يكونَ يومَ خبراً لمبتدإٍ محذوفٍ أيْ هُوَ يومَ هم الخ والفتح لأضافة إلى غيرِ متمكنٍ ويؤيدُه أنَّه قُرِىءَ بالرفعِ
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} أيْ مقولاً لهمُ هَذا القولُ وَقولُه تعالَى {هذا الذى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} جملةٌ من مبتدإٍ وخبرٍ داخلةٌ تحتَ القولِ المضمرِ أيْ هذَا ما كنتُم تستعجلونَ بهِ بطريقِ الاستهزاءِ ويجوزُ أنْ يكونَ هَذا بدلاً منْ فتنتِكم بتأويل العذابِ والذي صفتُه
{إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ} لا يُبلُغ كُنهُها ولا يقادر قدرها
{آخذين ما آتاهم رَبُّهُمْ} أي قابلينَ لما أعطاهُم راضينَ بهِ عَلَى مَعْنى أنَّ كُلَّ ما آتاهُم حسنٌ مَرضيٌّ يُتلقى بحسنِ القبولِ {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} في الدُّنيا {مُحْسِنِينَ} أيْ لأعمالِهم الصالحةِ آتينَ بَها عَلى ما ينبغي فلذلكَ نالُوا ما نالُوا منَ الفوزِ العظيمِ ومَعْنى الإحسانِ بالإجمالِ ما أشارَ إليهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بقولِه أنْ تعبدَ الله كأنَّك تراهُ فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّه يراكَ وقَدْ فُسِّر بقولِه تعالَى
{كانُوا قليلاً منَ الليلِ مَا يَهْجَعُونَ} أيْ كانُوا يهجعونَ في طائفةٍ قليلةٍ منَ الليلِ على أنَّ قليلاً ظرفٌ أوْ كانُوا يهجعونَ هجوعاً قليلاً على أنَّه صفةٌ للمصدرِ ومَا مزيدةٌ في الوجهين ويجوز أن تكون مصدرية أو موصولة مرتفعة بقليلاً على الفاعلية أيْ كانُوا قليلاً منَ الليلِ هجوعُهم أوْ ما يهعجون فيه وفيه للمبالغات في تقليل نومهم واسرتاحتهم ذكرُ القليلِ والليلِ الذي هُوَ وقتَ الراحةِ والهجوعِ الذي هُو الغرارُ منَ النومِ وزيادةُ مَا ولا مساغَ لجعلِ ما نافيةً عَلى مَعْنى أنَّهم لا يهجعونَ منَ الليلِ قليلاً بل يُحْيونَهُ كُلَّه لَما أنَّ مَا النافيةَ لا يعمل ما بعدها فيما قَبْلَها
{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أيْ هُم مع قلةِ هجوعِهم وكثرةِ تهجدِهمْ يداومونَ على الاستغفارِ في الأسحارِ كأنَّهم أسلفُوا ليلَهُم باقترافِ الجرائمِ وفي بناءِ الفعلِ على الضميرِ إشعارٌ بأنَّهُم الأحقاءُ بأنْ يوصفُوا بالاستغفارِ كأنَّهم المختصونَ بهِ لاستدامتِهم لهُ وإظنابهم فيهِ
{وَفِى أموالهم حَقٌّ} أيْ نصيبٌ وافرٌ يستوجبونَهُ على أنفسهم تقرُّباً إلى الله تعالى وإشفاقا على الناس {لَّلسَّائِلِ والمحروم} للمستجدِي والمتعففِ الذَّي يحسبُهُ النَّاسُ غنياً فحيرم الصادقة
{وفي الأرض آيات لّلْمُوقِنِينَ} أيْ دلائلُ واضحةٌ على شؤنه تعالى على التفاصيل منْ حيثُ إنَّها مدحوةٌ

الصفحة 138