كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

كلٌّ منَها مخلوقٌ منْ مخلوقاتِه مسخرٌ لأمرِه {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ} لأنهما من جملةِ مخلوقاتِه المسخرةِ لأوامرِه مثلَكُم {واسجدوا لِلَّهِ الذى خَلَقَهُنَّ} الضميرُ للأربعةِ لأنَّ حُكَم جماعة مالا يعقلُ حكمُ الأنثى أو الإناثِ أو لأنها عبارةٌ عن الآياتِ وتعليقُ الفعلِ بالكل مع كفايةِ بيانِ مخلوقيةِ الشمسِ والقمرِ للإيذان بكمال سقوطِهما عن رتبة المسجوديةِ بنظمهما في المخلوقية في سلك الأعراضِ التي لا قيامَ لها بذاتها وهو السرُّ في نظمَ الكلِّ في سلك آياتِه تعالى {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} فإن السجودَ أقصى مراتبِ العبادةِ فلا بُدَّ من تخصيصِه به سبحانَهُ وهو موضع للجسود عند الشافعيِّ رحمَهُ الله وعندنا آخر الآية لأنه الأخرى تمامُ المعْنى
{فَإِنِ استكبروا} عن الامتثالِ {فالذين عِندَ رَبّكَ} من الملائكة {يُسَبّحُونَ لَهُ بالليل والنهار} أي دائماً {وَهُمْ لا يسأمون} لا يفترُون ولا يَملّون وقُرِىءَ لا يِسْأمُون بكسرِ الياء
{ومن آياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} يابسةً متطامنةً مستعارٌ من الخشوع بمعنى التذليل {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء} أي المطرَ {اهتزت وَرَبَتْ} أي تحركتْ بالنبات وانتفختْ لأنَّ النبتَ إِذَا دَنا أنْ يظهرَ ارتفعتْ له الأرضُ وانتفختْ ثم تصدعتْ عن النباتِ وقيلَ تزخرفتْ بالنباتِ وقُرىءَ رَبَأَتْ أي ارتفعتْ {إِنَّ الذى أحياها} بما ذُكِرَ بعدَ موتِها {لمحيي الموتى} بالبعث {أَنَّهُ على كُلّ شَىْء قدير} من الأشياء التي من جُملتها الإحياءُ {قَدِيرٌ} مبالِغٌ في القُدرة
{إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ} يميلونَ عن الاستقامةِ وقُرِىءَ يُلحدون {في آياتنا} بالطعن فيها وتحرفيها بحملها على المحامل البطالة {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فنجازيَهم يإلحادهم وقوله تعالى {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة} تنبيةٌ على كيفيةِ الجزاءِ {اعملوا ما شئتم} من الأعمال المؤديةِ إلى ما ذُكِرَ من الإلقاءِ في النارِ والإتيانِ آمناً وفيه تهديد شديد {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكُم بحسبِ أعمالِكم وقولُه تعالَى
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَاءهُمْ} بدلٌ من قولِه تعالَى إِنْ الذين يحلدون الخ وخبرُ إنَّ هُو الخبرُ السابقُ وقيلَ مستأنفٌ وخبرها محذوف وقال السكائي سدَّ مسدّه الخبرُ السابقُ والذكرُ القرآنُ وقولُه تعالى {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} أي كثيرُ المنافعِ عديمُ النظيرِ أو منيعٌ لاَ تتأتَّى معارضتُه جملةُ حاليةٌ مفيدةٌ لغايةِ

الصفحة 15