كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

47 4 {
{أَمْ عِندَهُمُ الغيب} أي اللوحُ المحفوظُ المُثبَتُ فيه الغيوبُ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ما فيه حتَّى يتكلمُوا في ذلكَ بنفىٍ أو إثباتٍ
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً} هو كيدهم برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم في دارِ الندوةِ {فالذين كَفَرُواْ} هم المذكورونَ ووضعُ الموصولِ موضعَ ضميرِهم للتسجيلِ عليهم بما في حيز الصلةِ من الكفرِ وتعليلِ الحكمِ به أو جميعُ الكفرةِ وهم داخلونَ فيهم دُخولاً أولياً {هُمُ المكيدون} أي هُم الذينَ يحيقُ بهم كيدُهم أو يعودُ عليهم وبالُه لا مَنْ أرادُوا أنْ يكيدُوه وهو ما أصابَهم يومَ بدرٍ أو هُم المغلوبونَ في الكيدِ من كايدتُه فكِدتُه
{أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله} يعينُهم ويحرسُهم من عذابِه {سبحان الله عمَّا يُشركون} أيْ عنْ إشراكِهم أو عن شركِة ما يُشركونَهُ
{وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً} قطعةً {مّنَ السماء ساقطا} لتعذيبِهم {يَقُولُواْ} من فرطِ طغيانِهم وعنادِهم {سحاب مَّرْكُومٌ} أي هُم في الطغيانِ بحيثُ لو أسقطناهُ عليهم حسبَما قالُوا أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا لقالُوا هذا سحابٌ تراكمَ بعضُه على بعضٍ يُمطرنا ولم يُصدِّقُوا أنه كِسَفٌ ساقطا للعذابِ
{فَذَرْهُمْ حتى يلاقوا} وقُرِىءَ حتى يلقَوا {يَوْمَهُمُ الذى فِيهِ يُصْعَقُونَ} على البناءِ للمفعولِ من صعقتْهُ الصَّاعقةُ أو من أصعقتْهُ وقُرِىءَ يَصعقُون بفتحِ الياءِ والعينِ وهو يومُ يصيبُهم الصعقةُ بالقتلِ يومَ بدرٍ لا النفخةُ الأولى كما قيلَ إذْ لا يُصعقُ بَها إلاَّ مَنْ كانَ حياً حينئذٍ ولأنَّ قولَه تعالى
{يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} أيْ شيئاً من الإغناءِ بدلٌ من يومَهم ولا يَخفْى أنَّ التعرضَ لبيانِ عدمِ نفعِ كيدِهم يستدعِي استعمالَهم له طمعاً في الانتفاعِ به وليسى ذلكَ إلا ما دبرُوه في امره صلى الله عليه وسلم من الكيدِ الذي من جُملتِه مناصَبتُهم يومَ بدرٍ وأما النفخةُ الأولى فليستْ ممَّا يجري في مدافعتِه الكيدُ والحيلُ وقيل هو يومُ موتِهم وفيهِ ما فيهِ مع ما تأباهُ الإضافةُ المنبئةُ عن اختصاصِه بهم {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} من جهةِ الغيرِ في دفعِ العذابِ عنُهم
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي لهُم ووضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ لما ذُكرَ من قبلُ أي وإنَّ لهؤلاءِ الظلمةِ {عَذَاباً} آخرَ {دُونِ ذَلِكَ} دُونَ ما لاقوه من القتلِ أي قبلَهُ وهو القحطُ الذي أصابَهُم سبعُ سنينَ أو وراءَهُ كما في قولِه ... تُريك القَذى منْ دُونِها

الصفحة 152