كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 1 30
لا تزيدُه الدعوةُ إلى خلافِها إلا عناداً وإصراراً على الباطلِ
{ذلك} أي ما أدَّاهم إلى ما هم فيه من التولِّي وقصْرِ الإرادةِ على الحياةِ الدُّنيا {مَبْلَغُهُمْ مّنَ العلم} لا يكادونَ يجاوزونَهُ إلى غيرهِ حتَّى تُجديهم الدعوةُ والإرشادُ وجمعُ الضميرِ في مبلغُهم باعتبارِ مَعْنى مَنْ كما أن إفراده فيما سبق باعتبارِ لفظِها والمرادُ بالعلمِ مطلقُ الإدراكِ المنتظمِ للظنِّ الفاسدِ والجملةُ اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلَها من قصرِ الإرادةِ على الحياةِ الدُّنيا وقولُه تعالَى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أعلم بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى} تعليلٌ للأمرِ بالإعراضِ وتكريرُ قولِه تعالى هو أعلمُ لزيادةِ التَّقريرِ والإيذانِ بكمالِ تباينِ المعلومَينِ والمرادُ بمَنْ ضَلَّ منْ أصرَّ عليهِ ولم يرجعُ إلى الهُدَى أصلاً وبمَنْ اهتدَى من مَنْ شأنُه الاهتداءُ في الجملةِ أي هو المبالغُ في العلمِ بمن لا يرعوِي عنِ الضلالِ أبداً وبمن يقبلُ الاهتداءَ في الجملةِ لا غيرُه فلا تُتعبْ نفسَك في دعوتِهم فإنه من القبيلِ الأولِ وفي تعليلِ الأمرِ بإعراضِه عليهِ السلامُ عن الاعتناءِ بأمرِهم باقتصارِ العلمِ بأحوالِ الفريقينِ عليهِ تعالَى رمزٌ إلى أنَّه تعالَى يعاملُهم بموجبِ علمِه بهم فيجزى كلاً منْهم بما يليقُ بهِ من الجزاءِ ففيهِ وعيدٌ ووعدٌ ضِمناً كما سيأتي صَريحاً
{ولله ما في السماوات وَمَا فِي الأرض} أي خلقا وملكا لالغيره أصلا لا استقلال ولا اشتراكاً وقوله تعالى {لِيَجْزِىَ} الخ متعلقٌ بما دلَّ عليهِ أعلمُ الخ وما بينهما اعتراض مقرر لما قبلَهُ فإنَّ كونَ الكلِّ مخلوقاً له تعالى ممَّا يقررُ علمَهُ تعالَى بأحوالِهم أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ كأنَّه قيلَ فيعلمُ ضلالَ من ضلَّ واهتداءَ من اهتدَى ويحفظُهما ليجزيَ {الذين أساؤوا بِمَا عَمِلُواْ} أي بعقابِ ما عملُوا من الضلالِ الذي عبَّر عنْهُ بالإساءةِ بياناً لحالهِ أو بسببِ ما عملوا {وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ} أي اهتدوا {بالحسنى} أي بالمثوبةِ الحْسْنَى التي هي الجنةُ أو بسببِ أعمالِهم الحُسْنَى وقيلَ متعلقٌ بما دل عليه قوله تعالى وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فى الأرض كأنَّه قيلَ خلقَ ما فيهمَا ليجزيَ الخ وقيلَ متعلقٌ بضلَّ واهتدَى على أن اللامَ للعاقبةِ أي هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ ليؤول أمره إلى أن يجزيَهُ الله تعالى بعملِه وبمنِ اهتدَى ليؤولَ أمرُهُ إلى أنْ يجزيَهُ بالحُسْنَى وفيه من البعد مالا يَخْفى وتكريرُ الفعلِ لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بأمرِ الجزاءِ والتنبيهِ على تباينِ الجزاءينِ

الصفحة 161