كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

هي قومُ هودٍ عليه السلام وعاد الأخرى إرم وقيلَ الأُولى القدماءُ لأنَّهم أُوْلى الأممِ هلاكاً بعدَ قوم نوح وقرىء عاد الاولى بحذف الهمزةِ ونقل ضمتها إلى اللام وعادَ لُّولى بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة أولى وثقل حركتها إلى لام التعريف
{وَثَمُودُ} عطفٌ عَلى عاداً لأنَّ ما بعدَهُ لا يعملُ فيهِ وقُرِىءَ وثموداً بالتنيون {فَمَا أبقى} أي أحداً من الفريقينِ
{وَقَوْمَ نُوحٍ} عطفٌ عليهِ أَيْضاً {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ إهلاكِ عادٍ وثمودَ {إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أظلم وأطغى} من الفريقين حيثُ كانُوا يؤذونَهُ وينفّرون الناسَ عنْهُ وكانُوا يحذرونَ صبيانَهُم أن يسمعُوا منه وكانوا يضربونَهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حتَّى لا يكونُ به حَراكٌ وما أثر فيهم دُعاؤُه قريباً من ألفِ سنةٍ
{والمؤتفكة} هي قُرَى قومِ لوطٍ ائتفكتْ بأهلِها أي انقلبتْ بِهم {أهوى} أي أسقطَها إلى الأرضِ بعد أنْ رفعَها على جناحِ جبريلَ عليه السَّلامُ إِلَىَّ السماءِ
{فغشاها مَا غشى} من فنونِ العذابِ وفيه منَ التهويل والتفظيع مالا غاية وراءه
{فَبِأَىّ الاء رَبّكَ تتمارى} تتشكك والخطاب للرسول عليه الصلاة والسَّلامُ على طريقةِ قولِه تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ أولكل أحدٍ وإسنادُ فعلِ التَّمارِي إلى الواحدِ باعتبارِ تعددِه بحسبِ تعددِ متعلقِه فإنَّ صيغةَ التفاعلِ وإن كانتْ موضوعة لإفادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه بحيث يكونُ كلٌّ منْ ذلك فاعلا ومفعولا معا لكنها قد تجرد عن المعنى الثاني فيراد بها المَعْنى الأولَ فقط كما في يتداعونهم أي يدعونهم وقد تُجرّد عنهم أيضاً فيُكتفى بتعدد الفعل بتعدد متعلّقه كما فيما نحن فيه فإن المِراء متعددٌ بتعدد الآلاء فتدبر وتسمية الأمور المعدودة آلاءَ مع أن بعضها نِقمٌ لِما أنها أيضاً نعم من حيث إنها نصرى للأنبياءِ والمؤمنين وانتقام لهم وفيها عظاتَ وعِبر للمعتبرين
{هذا نَذِيرٌ مّنَ النذر الأولى} هَذا إمَّا إشارةٌ إلى القُرآنِ والنذيرُ مصدرٌ أو إِلى الرسولِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والنذيرُ بمَعْنى المُنذرِ وأياً ما كانَ فالتنوينُ للتفخيمِ ومِنْ متعلقةٌ بمحذوفٍ هو نعتٌ لنذيرٌ مقررٌ له ومتضمنٌ للوعيدِ أي هَذا القرآنُ الذي تشاهدونَهُ نذيرٌ من قبيلِ الإنذاراتِ المتقدمةِ التي سمعتُم عاقبتَها أو هذا الرسولُ منذرٌ من جنسِ المنذرينَ الأولينَ والأُولى على تأويلِ الجماعةِ لمراعاةِ الفواصلِ وقد علمتُم أحوالَ قومِهم المنذرين وفي

الصفحة 165