كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

47 45
الموصولِ الثانِي باعتبارِ اتصافِه بما في حيز صلته وملاحظة ما أُثبتَ لهُ وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلِته في الشرِّ معَ ما فيه من كمالِ المناسبةِ للنداءِ من بعيدٍ أي أولئكَ البُعداءُ الموصوفونَ بما ذكرَ من التصامِّ عن الحقِّ الذي يسمعُونَهُ والتعامِي عن الآياتِ الظاهرةِ التي يشاهدونَها {يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} تمثيلٌ لهم في عدمِ قبولِهم واستماعِهم له بمنْ ينادى من مسافةٍ نائيةٍ لا يكادُ يَسمعُ من مثلِها الأصواتِ
{ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فِيهِ} كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ لبيانِ أن الاختلافَ في شأنِ الكتبِ عادةٌ قديمةٌ للأممٍ غيرُ مختصَ بقومكَ على منهاجِ قولِه تعالى مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ أيْ وبالله لقد آتيناه التوارة فاختُلفَ فيها فمن مصدقٍ لها ومكذبٍ وهكذا حالُ قومكَ في شأنِ ما آتيناكَ من القرآنِ فمن مؤمنٍ به وكافرٍ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ في حقِّ أمتكَ المكذبةِ وهي العِدَةُ بتأخيرِ عذابِهم وفصلُ ما بينهم وبينَ اللمؤمنين من الخصومةِ إلى يومِ القيامةِ بنحو قوله تعالى بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ وقولِه تعالى ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى {لقضي بينهم} باستئصال المذبين كما فعلَ بمكذِبي الأممِ السالفة {وأنهم} أي الكفار قومِكَ {لَفِى شَكّ مّنْهُ مُرِيبٍ} أي من القرآنِ وَجَعْلُ الضميرِ الأولِ لليهودِ والثانِي للتوراةِ مما لا وجهَ لَهُ
{مَّنْ عَمِلَ صالحا} بأنْ آمنَ بالكتبِ وعملَ بموجِبها {فَلِنَفْسِهِ} أي فلنفسِه يعملُه أو فنفعُه لنفسه لا لغيره {مَّنْ عَمِلَ صالحا} بأنْ آمنَ بالكتبِ وعملَ بموجِبها فَلِنَفْسِهِ أي فلنفسِه يعملُه أو منفعة لنفسه لا لغيرِه {وَمَنْ أساء فعليها} ضرر لا على غيرِه {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} اعتراضٌ تذييلي مقرر لمضمون ما قبلَهُ مبنيٌّ على تنزيلِ تركِ إثابةِ المحسنِ بعملِه أو إثابةِ الغيرِ بعملِه وتنزيلِ التعذيبِ بغير إساءةٍ أو بإساءةِ غيرِه منزلةَ الظلمِ الذي يستحيلُ صدروه عنه سبحانَهُ وتعالَى وقد مرَّ ما في المقامِ من التحقيقِ والتفصيلِ في سورةِ آل عمرانَ وسورةِ الأنفالِ
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} أي إذا سئلَ عنها يقال الله يعلم أولا يعلمُها إلا الله تعالَى {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثمرات مّنْ أَكْمَامِهَا} أي من أوعيتِها جمعُ كِمٍ بالكسرِ وهُو وعاءُ الثمرةِ كَجُفِّ الطلعةِ وقُرِىءَ من ثمرةٍ على إرادةِ الجنسِ والجمعُ لاختلافِ الأنواعَ وقد قُرِىءَ بجمعِ الضميرِ أيضاً ومَا نافيةٌ ومِنْ الأُولى مزيدةٌ للاستغراقِ واحتمالُ أَنْ تكَونَ ما موصولةً معطوفة على الساعةِ ومِنْ مبينةً بعيدٌ {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ} أي حَملَها وقولُه تعالى {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} استثناء مفرغ من أعم الأحوالِ أيْ وما يحدثُ شيء

الصفحة 17