كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

فصلت آية (48 50) من خروج ثمرة ولاحمل حاملٍ ولا وضعِ واضعٍ ملابساً بشيءٍ من الأشياءِ إلا ملابساً بعلمهِ المحيطِ {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى} أي بزعمِكم كما نصَّ عليهِ في قوله تعالى نَادُواْ شُرَكَائِىَ الذين زَعَمْتُمْ وفيهِ تهكمٌ بهِم وتقريعٌ لَهُم ويومَ منصوبٌ باذكُرْ أو ظرف لمضمر مؤخر قد تُرك إيذاناً بقصورِ البيانِ عنْه كما مرَّ في قوله تعالى {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل} قَالُواْ آذناك أي أخبرناكَ {مَا مِنَّا من شهيد} من أحد يشهد لهم بالشركة إذا تبرأنَا منهم لَمَّا عاينَّا الحالَ وما منا أحدٌ إلا وهو موحدٌ لكَ أو مامنا من أحدٍ يشاهدُهم لأنهم ضلُّوا عنهُم حينئذٍ وقيلَ هو قولُ الشركاءِ أي ما منا من شهيد يشهد لهم بأنَّهم كانُوا محقِّينَ وقولُهم آذناكَ إما لأنَّ هذا التوبيخَ مسبوقٌ بتوبيخٍ آخر مجاب بهذا الجوابِ أو لأنَّ معناهُ أنك علمتَ من قلوبِنا وعقائدِنا الآنَ أنا لا نشهدُ تلكَ الشهادةَ الباطلةَ لأنَّه إذا علمَهُ من نفوسِهم فكأنَّهم أعلمُوه أو لأنَّ معناهُ الإنشاءُ لا الإخبارُ بإيذانٍ قد كانَ قبلَ ذلكَ
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} أي يعبدونَ {مِن قَبْلُ} أي غابُوا عنُهم أو ظهر عدمُ نفعِهم فكانَ حضورُهم كغَيبتهم {وَظَنُّواْ} أي أيقنُوا {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} مهربٍ والظنُّ معلقٌّ عنْه بحرفِ النفي
{لا يسأم الانسان} أي لا يملُّ ولا يفترُ {مِن دُعَاء الخير} من طلبِ السعةِ في النعمةِ وأسبابِ المعيشةِ وقُرِىءَ من دعاءٍ بالخيرِ {وَإِن مَّسَّهُ الشر} أي العسر والضيقة {فيؤوس قَنُوطٌ} فيه مبالغةٌ من جهة البناءِ ومن جهةِ التكريرِ ومن جهةِ أن القنوطُ عبارةٌ عن يأسٍ مفرطٍ يظهرُ أثرُه في الشخصِ فيتضاءلُ وينكسرُ أي مبالغٌ في قطعِ الرجاءِ من فضل الله تعالى ورحمتِه وهذا وصفٌ للجنسِ بوصفِ غالبِ أفرادِه لما أنَّ اليأسَ من رحمتِه تعالى لا يتأتَّى إلا من الكافرِ وسيصرحُ به
{وَلَئِنْ أذقناه رَحْمَةً مّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ} بتفريجِها عنْهُ {لَيَقُولَنَّ هذا لِى} أي حَقِّي أستحقُّه لم لِي من الفضلِ والعملِ أولى لا لغَيري فَلاَ يزولَ عنِّي أبداً {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} أي تقومُ فيما سيأتي {وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى} على تقديرها قيامِها {إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} أي للحالةَ الحُسنى من الكرامةِ وذلك لاعتقادِه أن ما أصابه ما نعم الدنيا لاستحقاقه له وأنَّ نعمَ الآخرةِ كذلكَ {فَلَنُنَبّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} أي لنعلمنَّهم حقيقة أعمالِهم حينَ أظهرناهَا بصورةِ الحقيقة وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ الأعرافِ عند قوله تعالى {والوزن يَوْمَئِذٍ الحق} وفي قولِه تعالَى {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} من سورةِ يونس {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} لا يُقادرُ قَدُرُه ولا يبلغ كنهه

الصفحة 18