كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

40 34
إلا وجدُوا الملائكةَ أحاطتْ به
{فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي من التنبيهِ والتحذيرِ والمساهلةِ والعفوِ مع كمالِ القدرةِ على القوبة
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} قيلَ هو اللهبُ الخالصُ وقيلَ المختلطُ بالدخانِ وقيل اللهبُ الأحمر وقيل اللهبُ الأخضرُ المنقطعُ من النارِ وقيل هو الدخانُ الخارجُ من اللهبِ وقيلَ هو النارُ والدخانُ جميعاً وقُرِىءَ شِواظٌ بكسرِ الشينِ {مّن نَّارٍ} متعلقٌ بيرسلُ أو بمضمرٍ هو صفة للشواط أي كائنٌ من نارٍ والتنوينُ للتفخيمِ {وَنُحَاسٌ} أي دُخانٌ وقيلَ صُفرٌ مذابٌ يصب على رؤسهم وقُرِىءَ بكسرِ النُّونِ وقُرىء بالجرِّ عطفاً على نارٍ وقُرِىءَ نُرسلُ بنونِ العظمةِ ونصبِ شُواظاً ونحاساً وقُرِىءَ نُحُس جمعُ نِحاسِ مثلُ لِحافِ ولُحُفِ وقُرِىءَ ونَحُسُّ أي نقتلُ بالعذابِ {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} أي لا تمتنعانِ
{فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنَّ بيانَ عاقبةِ ما هُم عليهِ من الكفرِ والمَعَاصِي لطفٌ وأيُّ لُطفٍ ونعمةٌ وأيُّ نعمةٍ
{فَإِذَا انشقت السماء} أي انصدعتْ يومَ القيامةِ {فَكَانَتْ وردة} كوردة حمراء وقرئ وردةٌ بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ أيَّ حصلتْ سماءٌ وردةٌ فيكونُ من بابِ التجريدِ كقولِ منْ قالَ ... وَلَئِنْ بَقيْتُ لأَرْحَلَّنَّ بغزوة تَحوِي الغنائمَ أَوْ يموتَ كريمُ ... {كالدهان} خبرٌ ثانٍ لكانَتْ أو نعتٌ لوردةً أو حالٌ من اسمِ كانتْ أي كدُهنِ الزيتِ وهو إمَّا جمعُ دُهنٍ أو اسمٌ لَما يُدهنُ بهِ كالحِزامِ والأدامِ وقيلَ هو الأديمُ الأحمرُ وجوابُ إذَا محذوفٌ أي يكون من الأحوال والأهوال مالا يحيطُ بهِ دائرةُ المقالِ
{فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مع عظمِ شأنِها
{فيومئذ} أي يوم إذ تنشقُ السماءُ حسبَما ذُكِرَ {لا يُسألُ عن ذنبهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} لأنَّهم يُعرفونَ بسيماهُم وذلكَ أولَ ما يخرجونَ من القبورِ ويحشرونَ إلى الموقفِ ذَوْداً ذَوداً على اختلافِ مراتبِهم وأما قولُه تعالى فَوَرَبّكَ لنسألنهم أجميعن ونحُوه ففي موقفِ المناقشةِ والحسابِ وضميرُ ذنبِه للإنسِ لتقدمِه رتبةً وإفرادُه لما أنَّ المرادَ فردٌ من الإنسِ كأنَّه قيلَ لا يسأل ذنبهِ إنسيٌّ ولا جنيٌّ
{فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} معَ كثرةِ منافعِها فإنَّ الإخبارَ بما ذُكِرَ ممَّا يزجرُكُم عن

الصفحة 182