كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

47 5 {
ما يُؤدِّي إلى استدامتِها وأمَّا مَا عُدِّدَ فيمَا بين قوله تعالى سنفرغ لكُم وبين هذهِ الآيةِ من الأحوالِ الهائلةِ التي ستقعُ في الآخرةِ فليستْ هيَ من قبيلِ الآلاءِ وإنَّما الآلاءُ حكاياتُها الموجبةُ للانزجار عما يؤدى على الإبتلاءِ بَها من الكفرِ والمعاصِي كَما أُشيرَ إليهِ في تضاعيفِ تعدادِها ومقامُه تعالَى موقفُه الذي يقفُ فيه العبادُ للحسابِ يومَ يقوم الناس لرب العالمين أو قيامُه تعالَى على أحوالِه من قامَ عليهِ إذا راقبَهُ أو مقامُ الخائفِ عندَ ربِّه للحسابِ بأحدِ المعنيينَ وإضافتُه إلى الربِّ للتفخيمِ والتهويلِ أو مقحمٌ للتعظيمِ {جَنَّتَانِ} جنةٌ للخائفِ الإنسيِّ وجنةُ للخائفِ الجنيِّ فإنَّ الخطابَ للفريقينِ فالمَعْنى لكلِّ خائفينِ منكُما أو لكُلِّ واحدٍ جنةٌ لعقيدتِه وأُخرى لعملهِ أو جنةٌ لفعلِ الطاعاتِ وأُخرى لتركِ المعاصِي أو جنةٌ يثابُ بَها وأُخرى يتفضلُ بها عليهِ أو روحانيةٌ وجسمانية وكذاا ما جَاء مَثْنى بعدُ
{فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله تعالى
{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} صفةٌ لجنَّتانِ وما بينهُمَا اعتراضٌ وُسّطَ بينهُمَا تنبيهاً على أنَّ تكذيبَ كلَ من الموصوفِ والصفةِ موجبٌ للإنكارِ والتوبيخِ والأفنانُ إمَّا جمعُ فَنَ أيْ ذَوَاتا أنواعٍ من الأشجارِ والثمارِ أو جمعُ فَنَنٍ أي ذَوَاتا أغصانٍ متشعّبةٍ من فروعِ الشجرِ وتخصيصُها بالذكرِ لأنها التي تورقُ وتثمرُ وتمد الظلَّ
{فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وليسَ فيها شئ يقبلُ التكذيبَ
{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} صفةٌ أخرى لجنتانِ أي في كلِّ واحدةٍ عينٌ تجري كيفَ يشاءُ صاحبُها في الأعالي والأسافلِ وقيلَ تجريانِ من جبلٍ من مسكٍ وعن ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ تجريانِ بالماءِ الزلالِ إحداهُما التسنيمُ والأُخرى السلسبيلُ وقيلَ إحداهُما من ماءٍ غيرِ آسنٍ والأُخرى من خمر لذة للشاربين قالَ أبو بكرِ الورَّاقُ فيهما عينانِ تجريانِ لمن كانتْ عيناهُ في الدُّنيا تجريانِ من مخافةِ الله عز وجل
{فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله تعالى {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} أي صنفانِ معروفٌ وغريبٌ أو رطبٌ ويابسٌ صفةٌ أُخرى لجنَّتانِ وتوسيطُ الاعتراضِ بينَ الصفاتِ لمَا مر آنفا {فبأي آلاء ربكما تكذبان}

الصفحة 184