كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

وقوله تعالى
{مُتَّكِئِينَ} حالٌ من الخائفينَ لأنَّ منْ خافَ في مَعْنى الجمعِ أو نُصب على المدحِ {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} من ديباجٍ ثخينٍ وحيثُ كانتْ بطائنُها كذلكَ فما ظنُّكَ بظهائرِها وقيل ظهائرُها من سندسٍ وقيل من نورٍ {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} أيْ مَا يُجتنَى من أشجارِها من الثمارِ قريبٌ ينالُه القائمُ والقاعدُ والمضطجعُ قالَ ابن عباس رضي الله عنُهمَا تدنُو الشجرةُ حتى تجتنيها وليُّ الله إنْ شاءَ قائماً وإنْ شاءَ قاعداً وإن شاء مضطجعا وقرئ بكسر الجيم
{فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله تعالى {فِيهِنَّ} أيْ في الجنانِ المدلولِ عليه بقولِه تعالَى جَنَّتَانِ لِما عرفتَ أنَّهما لكلِّ خائفينِ منَ الثقلينِ أوْ لكلِّ خائفٍ حسبَ تعددِ عملِه وقد اعتُبرَ الجمعيةُ في قولِه تعالَى متكئينَ وقيلَ فيهما من الأماكنِ والقصورِ وقيلَ في هذِه الآلاءِ المعدودة من الجنتين والفاكهةِ والفرشِ {قاصرات الطرف} نساءٌ يقصُرنَ أبصارَهنَّ على أزواجهنَّ لا ينظرنَ إلى غيرِهم {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ} أي لم يَمسَّ الإنسياتِ أحدٌ من الإنسِ ولا الجنياتِ أحدٌ من الجنِّ قبلَ أزواجِهنَّ المدلولَ عليهُم بقاصراتُ الطرفِ وقيلَ بقولِه تعالى متكئينَ وفيه دليلٌ على أن الجن يطمثون وقرئ يَطْمُثْهنَّ بضمِّ الميمِ والجملةُ صفةٌ لقاصراتُ الطرفِ لأنَّ إضافتَها لفظيةٌ أو حالٌ منَها لتخصصِها بالإضافةِ
{فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله تعالى {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان} إمَّا صفةٌ لقاصراتُ الطرفِ أو حالٌ منَها كالتي قبلَها أي مشبهاتٌ بالياقوتِ في حُمرةِ الوجنةِ والمرجانِ أي صغارِ الدرِّ في بياضِ البشر وصفائِها فإنَّ صغارَ الدرِّ أنصعُ بياضاً من كبارِه قيل إنَّ الحوراءَ تلبَسُ سبعينَ حُلَّة فيُرى مخُّ ساقِها منْ ورائِها كما يُرى الشرابُ الأحمرُ في الزجاجة البيضاء
{فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله تعالى {هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان} استئنافٌ مقررٌ لمضمونِ ما فُصِّلُ قبلَهُ أي ما جزاءُ الإحسانِ في العملِ إلا الإحسانُ في الثواب

الصفحة 185