كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 3 1 {
وذلكَ الأجرُ المضمومُ إليهِ الأضعافُ كريمٌ في نفسِه حقيقٌ بأنْ يتنافسَ فيه المتنافسونَ وإنْ لم يُضاعفْ فكيفَ وقد ضُوعفَ أضعافاً كثيرة وقُرِىءَ بالرفعِ عطفاً على يقرضُ أو حملاً على تقديرِ مبتدأٍ أيْ فهو يضاعفه وقرئ يُضعفَهُ بالرفعِ والنصبِ
{يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات} ظرفٌ لقولِه تعالَى وله أجرٌ كريمٌ أو لقوله تعالى فيضاعفَهُ أو منصوبٌ بإضمارٍ اذكُرْ تفخيماً لذلك اليومِ وقولُه تعالى {يسعى نُورُهُم} حالٌ من مفعولِ تَرَى قيلَ نورَهم الضياءُ الذي يُرَى {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} وقيلَ هو هُداهُم وبأيمانِهم كتبَهم أي يسعَى إيمانُهم وعملهم الصالُح بينَ ايديهم وف أيمانِهم كتبُ أعمالِهم وقيلَ هو القرآنُ وعنِ ابنِ مسعو د رضى الله عنْهُ يُؤتَون نورَهُم على قدرِ أعمالهم فمنهُم مَنْ يُؤتى نوره كالنخلة ومنهم مَن يُؤتَى كالرجل القائمِ وأدناهُم نوراً مَنْ نورُه على إبهامِ رجلهِ ينطفىءُ تارةً ويلمعُ أُخرَى قالَ الحسنُ يستضيئونَ به على الصراطِ وقال مقاتلٌ يكونُ لهم دليلاً إلى الجنَّةِ {بُشْرَاكُمُ اليوم جنات} مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ أو استئنافٌ أيْ يقالُ لهم بُشراكُم أي ما تبشرونَ بهِ جنَّاتٌ أو بُشراكم دخول الجنة {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا ذلك} أي ما ذُكرَ من النُّورِ والبُشرى بالجناتِ المخلدةِ {هُوَ الفوز العظيم} الذِي لا غايةَ وراءَهُ وقرىءَ ذلكَ الفوز العظيمُ
{يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات} بدلٌ مِن يومَ تَرَى {للذين آمنوا انظرونا} أي انتظرونَا يقولونَ ذلكَ لما أنَّ المؤمنينَ يُسرَع بِهم إلى الجنَّةِ كالبرقِ الخاطفِ على ركابٍ تزفُّ بهم وهؤلاءِ مشاةٌ أو انظروا إلينَا فإنَّهم إذا نظروا إليهم استقبولهم بوجوهِهم فيستضيئونَ بالنُّورِ الذي بينَ أيديِهم وقُرِىءَ أَنِظرُونا من النَّظِرةِ وهي الإمهالُ جعلَ اتئادَهم في المُضيِّ إلى أنْ يلحقُوا بهم إنظاراً لهم {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} أي نستضىءْ منه وأصلُه اتخاذُ القبسِ {قِيلَ} طَرداً لهم وتهكماً بهِم من جهة المؤمنينَ أو من جهة الملائكةِ {ارجعوا وَرَاءكُمْ} أي إلى الموقف {فالتمسوا نُوراً} فإنَّه من ثمَّ يُقتبسُ أو إلى الدُّنيا فالتمسُوا النورَ بتحصيل مباديِه من الإيمان والأعمالِ الصالحةِ أو ارجعوا خائبينَ خاسئينَ فالتمسُوا نوراً آخرَ وقد علمُوا أنْ لا نورَ وراءَهُم وإنما قالُوه تخييباً لهم أَوْ أرادُوا بالنورِ ما وراءَهُم من الظُّلمةِ الكثيفةِ تهكماً بهم {فَضُرِبَ بَيْنَهُم} بينَ الفريقينِ {بِسُورٍ} أي حائطٍ والباءُ زائدةٌ {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ} أي باطنُ السُّورِ أو البابِ وهو الجانبُ الذي يلي الجنَّةَ {فِيهِ الرحمة وظاهره} وهو الطرفُ الذي يَلي النَّارَ {مِن قَبْلِهِ} من جهتِه {العذاب} وقُرِىءَ فضَرَبَ على البناءِ للفاعلِ

الصفحة 207