كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 6 14
{ينادونهم} استئنافٌ مبنيٌّ على السؤالِ كأنَّه قيلَ فماذَا يفعلونَ بعد ضربِ السُّورِ ومشاهدةِ العذابِ فقيلَ يُنادونَهم {أَلَمْ نَكُن} في الدُّنيا {مَّعَكُمْ} يريدونَ به موافقتَهم لهُم في الظَّاهرِ {قَالُواْ بلى} كنتُم معنَا بحسبِ الظاهرِ {ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} محنتموها بالنفاق وأهكلتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالمؤمنينَ الدوائرَ {وارتبتم} في أمرِ الدِّينِ {وَغرَّتْكُمُ الأمانى} الفارغةُ التي من جُمْلتها الطمعُ في انتكاس أمرِ الإسلامِ {حتى جَاء أَمْرُ الله} أي الموتُ {وَغَرَّكُم بالله} الكريمِ {الغرور} أي غرَّكُم الشيطانُ بأنَّ الله عفوٌّ كريمٌ لا يُعذبكم وقُرِىءَ الغُرورُ بالضمِّ
{فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فدية} فداء وقرئ تُؤخذُ بالتاءِ {وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} أي ظاهراً وباطنا {مأواكم النار} لا تبرحُونَها أبداً {هِىَ مولاكم} أي أَوْلَى بكُم وحقيقتُه مكانُكُم الذي يُقالُ فيهِ هو أَوْلى بكُم كما يقالُ هو مِئْنةُ الكرمِ أي مكانٌ لقولِ القائلِ إنَّه لكريمٌ أو مكانُكم عن قريبٍ من الولي وهو القرب أو ناصركُم على طريقةِ قولِه ... تحيةُ بينِهم ضربٌ وجيع ... أو متوليكم تتولاكم كَما توليتُم موجباتِها {وَبِئْسَ المصير} أي النَّارُ
{ألم يأن للذين آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} استئنافٌ ناعٍ عليهم تثاقلَهُم في أمورِ الدِّينِ ورخاوةِ عقدِهم فيها واستبطاءٌ لا نتدابهم لما نُدبوا إليهِ بالترغيبِ والترهيبِ ورُويَ أنَّ المؤمنينَ كانُوا مُجْدبين بمكةَ فلمَّا هاجرُوا أصابُوا الرزقَ والنعمةَ وفترُوا عمَّا كانُوا عليهِ فنزلتْ وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه ما كانَ بينَ إسلامِنا وبينَ أنْ عُوتبنا بهذهِ الآيةِ إلا أربعُ سنينَ وعنِ ابن عباس رضي الله عنُهمَا أنَّ الله استبطأَ قلوبَ المؤمنينَ فعاتَبهُم على رأسِ ثلاثَ عشرةَ سنةً من نزولِ القُرآنِ أيْ ألم نجىء وقتُ أنْ تخشعَ قلوبُهم لذكرِه تعالَى وتطمئنَ به ويسارعُوا إلى طاعتِه بالامتثال بأوامره والانتهاءِ عمَّا نُهوا عنهُ منْ غير توانٍ ولا فتورٍ منْ أنى الأمرُ إذَا جاءَ أناهُ أي وقته وقُرِىءَ ألم يئِنْ من آنَ يئينُ بمعنى أنَى وقُرِىءَ ألمَّا بان وفيه دلالة على أن المنفى {وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} أي القرآنِ وهو عطفٌ على ذكرِ الله فإنْ كان هو المرادبه أيضا فالعطف لتغاير العنواين فإنَّه ذكرٌ وموعظةٌ كما أنَّه حقٌّ نازلٌ منَ السماءِ وإلاَّ فالعطفُ كما في قولِه تعالى إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ زَادَتْهُمْ إيمانا ومَعْنى الخشوعِ له الانقيادُ التامُّ لأوامره ونواهيِه والعكوفُ على العملِ بما فيهِ من الأحكامِ التي من جُملتها ما سبَقَ وما لَحِق من الإنفاق في

الصفحة 208