كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 3 14
ومحبِّ الآخرةِ ومحبِّ الدُّنيا واختلفَ في أنَّه للندبِ أو للوجوبِ لكنهُ نُسِخَ بقوله تعالى أأشفقتم وهُوَ وإنْ كَان متصلاً بِهِ تلاوةً لكنَّه متراخٍ عَنْهُ نزولاً وعَنْ عليَ رضيَ الله عنه إن فِي كتابِ الله أيةً ما عَمِلَ بِهَا أحدٌ غَيْرِي كانَ لي دينارٌ فصرفتُه فكنتُ إذَا ناجيتُه عليهِ الصلاةُ والسلامُ تصدقتُ بدرهم وهُوَ على القولِ بالوجوبِ محمولٌ على أنَّه لم ينفق للأغنياء مناجاةٌ في مدةِ بقائِه إذْ رُوي أنَّه لمْ يَبقَ إلاَّ عشراً وقيل إلاَّ ساعةً {ذلك} أي التصدق {خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ} أيْ لأنفسكم منَ الريبةِ وحبِّ المَالِ وهذا يشعرُ بالندبِ لكنَّ قولِهُ تَعَالى {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} منبئ عنِ الوجوبِ لأنَّه ترخيصٌ إن لَمْ يجدْ فِي المناجَاةِ بلا تصدق
{أأشفقتم أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات} أيْ أخفتمْ الفقرَ منْ تقديمِ الصدقاتِ أو أخفتمْ التقديمَ لما يعدكُم الشيطانُ عليهِ منَ الفقر وجمع الصدقات لجمعِ المخاطبينَ {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} ما أمرتمْ بهِ وشَقَّ عَليكُمْ ذلكَ {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} بأنْ رخصَ لكُم أنْ لا تفعلُوه وفيه إشعارٌ بأنَّ إشفاقَهُم ذنبٌ تجاوزَ الله عنْهُ لما رأى منهم من الانفعالِ مَا قامَ مقَام توبتهِم وإذْ عَلى بابِهَا مِنَ المُضيِّ وقيلَ بِمَعْنى إذا كما في قوله تَعَالى إِذِ الأغلال فِى أعناقهم وقيلَ بمعنى إنْ {وَأَقِيمُواْ الصلاة وآتَوْا الزَّكَاةَ} أيْ فإذْ فرطتُم فِيمَا أُمِرتُمْ بهِ منْ تقديمِ الصدقاتِ فتداركُوه بالمثابرةِ عَلى إقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} في سائرِ الأوامرِ فإنَّ القيامَ بِها كالجابرِ لما وقعَ في ذلكَ من التفريطِ {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ظاهراً وباطناً
{أَلَمْ تَرَ} تعجيب منْ حالِ المنافقينَ الذين كانُوا يتخذونَ اليهودَ أولياءَ ويناصحونَهُم وينقلونَ إليهم أسرارَ المؤمنينَ أيْ ألمْ تنظرُ {إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ} أيْ والوْا {قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} وَهُمْ اليهودُ كَمَا أنبأ عَنْهُ قولِهِ تَعَالى مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ {مَّا هُم مّنكُمْ وَلاَ منهم} لأنهم منافقون مذبذين بينَ ذلكَ والجملةُ مستأنفةٌ أو حالٌ من فاعل تولُوا {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب} أي يقولونَ والله إنَّا لمسلمونَ وهو عطفٌ عَلى تولَّوا داخلٌ في حُكمِ التعجيبِ وصيغةُ المضارعِ للدلالةِ على تكرر الحلفِ وتجددِّهِ حسبَ تكررِ ما يقتضيهِ وقولِهِ تَعَالى {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حالٌ منْ فاعِلِ يحلفونَ مفيدةٌ لكمال شناعةِ ما فعلُوا فإنَّ الحلفَ عَلى ما لم يُعلمُ أنَّه كذبٌ في غايةِ القُبحِ وفيهِ دلالةٌ على أنَّ الكذبَ يعمُّ ما يعلمُ المخبرُ عدمَ مطابقتهِ للواقعِ وما لا يعلمُه رُوي أنَّه عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ كانَ في حجرةٍ من حجراتِه فقال يدخلُ عليكُم الآن رجلٌ قلبُه قلبُ جبارٍ وينظرُ بعينِ شيطانٍ فدخلَ عبدُ اللَّهِ بن نَبْتَل المنافقُ وكان أزرقَ فَقَالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم علامَ تشتمني أنتَ وأصحابُك فحلفَ بالله ما فعلَ فقال عليه الصلاة والسلام فعلتَ

الصفحة 221