كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

9 8
مالعقاراتهم {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} اختُلفَ في قسمةِ الفيءِ فقيلَ يُسدَّسُ لظاهرِ الآيةِ ويصرفُ سهمُ الله إلى الكعبةِ وسائرِ المساجدِ وقيلَ يُخَمَّسُ لأن ذكرَ الله للتعظيمِ ويصرفُ الآنَ سهمُ الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الإمامِ على قولٍ وإلى العساكرِ والثغورِ على قولٍ وإلى مصالحِ المسلمينَ على قول وقيل يُخَمَّسُ خمسةً كالغنيمةِ فإنه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يُقسِّمُ الخمسَ كذلكَ ويصرفُ الأخماسَ الأربعةَ كما يشاءُ والآنَ على الخلافِ المذكورِ {كَىْ لاَ يَكُونَ} أي الفيءُ الذي حقُّه أن يكونَ للفقراءِ يعيشونَ به {دُولَةً} بضمِّ الدالِ وقُرِىءَ بفتحِهَا وهيَ ما يدولُ الإنسان أيْ يدورُ من الغِنى والجِدِّ والغلبةِ وقيلِ الدَّولة بالفتح من المِلكِ بكسرِهَا أو بالضَمِّ في المالِ وبالفتحِ في النصرةِ أي كيلا يكونَ جِدَّاً {بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ} يتكاثرونَ به أو كيلاَ يكونَ دولةً جاهليةً بينكُمْ فإنَّ الرؤساءَ منهُم كانُوا يستأثرونَ بالغنيمةِ ويقولونَ مَنْ عَزَّ بَزَّ وقيلَ الدُّولةُ بالضمِّ ما يُتداولُ كالغُرفةِ اسمُ مَا يُغترفُ فالمَعنى كيلا يكونَ الفيْءُ شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعارونه فلا يصيب الفقراء والداولة بالفتحِ بمعنى التداولِ فالمعنَى كيلا يكونَ ذَا تداولٍ بينَهُم أو كيلا يكونَ إمساكُهُ تداولاً بينَهُم لا يخرجونَهُ إلى الفقراءِ وقُرِىءَ دولةٌ بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ أيْ كيلاَ يقعَ دولةٌ على ما فُصِّل منَ المعانِي {وَمَا آتاكم الرسول} أي ما أعطاكُمُوه من الفيءِ أو منَ الأمرِ {فَخُذُوهُ} فإنه حقُّكم أو فتمسكُوا به فإنه واجبٌ عليكم {وَمَا نهاكم عَنْهُ} عن أخذِهِ أو عنْ تعاطيهِ {فانتهوا} عنْهُ {واتقوا الله} في مخالفَتِهِ عليه الصلاة والسلام {أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب} فيعاقبُ مَنْ يخالفُ أمرَهُ ونهيَهُ
{لِلْفُقَرَاء المهاجرين} بدلٌ من الذى القُربى وما عُطفَ عليهِ فإنَّ الرسولَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لا يسمَّى فقيراً ومن أعطى أغنياء ذوِي القُربى خصَّ الإِبدالَ بما بعدَهُ وأما تخصيصُ اعتبارِ الفقرِ بفيءِ بني النضيرِ فتعسفٌ ظاهرٌ {الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن ديارهم وأموالهم} حيثُ اضطرهُم كفارُ مكةَ وأحوجوهم الى االخروج وكانُوا مائةَ رجلٍ فخرجُوا منها {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ الله ورضوانا} اى طالبين منه تعالى رزقا فى الدنيا ومرضاة في الآخرة وصفوا أولا بما يدل على استحقاقهم للفىء من الإخراج من الديار والأموالِ وقُيِّدَ ذلكَ ثانياً بما يوجبُ تفخيمَ شأنِهِم ويؤكدُهُ {وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} عطفٌ على يبتغونَ فهيَ حالٌ مقدرةٌ أي ناوينَ لنصرةِ الله تعالى ورسولِه أو مقارِنةٌ فإنَّ خروجَهُم من بين الكفارِ مراغمينَ لهم مهاجرينَ إلى المدينةِ نصرةٌ وأيُّ نصرةٍ {أولئكَ} الموصوفونَ بما فُصل من الصفاتِ الحميدةِ {هُمُ الصادقون} الراسخونَ في الصدقِ حيثُ ظهرَ ذلكَ بما فعلُوا ظهوراً بيناً
{والذين تبوؤوا الدار والإيمان} كلامٌ مستأنفٌ مسوقٌ

الصفحة 228