كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} {
وتخصيص الأمر المعدودةِ بالذكرِ في حَقِّهنَّ لكثرةِ وقوعِها فيمَا بينهنَّ معَ اختصاصِ بعضها بهنَّ {فَبَايِعْهُنَّ} أي على ما ذُكر وما لم يُذكر لوضوحِ أمرِهِ وظهورِ أصالتِهِ في المبايعةِ من الصلاةِ والزكاةِ وسائرِ أركانَ الدِّينِ وشعائرِ الإسلامِ وتقييد مبايعتهنَّ بِما ذُكِرَ من مجيئهنَّ لحثن على المسارعةِ إليها مع كمالِ الرغبةِ فيهَا من غيرِ دعوةٍ لهنَّ إليها {واستغفر لَهُنَّ الله} زيادةٍ على ما في ضمنِ المبايعةِ فإنها عبارةٌ عن ضمانِ الثوابِ من قبلِهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام بمقابلةِ الوفاءِ بالأمورِ المذكورةِ من قبلهنَّ {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي مبالِغٌ في المغفرةِ والرحمةِ فيغفرُ لهنَّ ويرحمهنَّ إذا وفَّينَ بما بايعنَ عليهِ واختلفَ في كيفيةِ مبايعتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لهن يومئذٍ فَرُوِيَ أنه عليه الصلاةُ والسلام لما فرغَ من بَيعةِ الرجالِ جلسَ على الصَّفا ومعه عمرُ رضيَ الله عنْهُ أسفلَ منْهُ فجعلَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يشترطُ عليهن البيعةَ وعمرُ يصافحهنَّ ورُوِيَ أنَّه كلفَ امرأةٍ وقفتْ على الصَّفا فبايعتهنَّ وقيلَ دَعا بقدحٍ من ماءٍ فغمسَ فيهِ يدَهُ ثم غمسنَ أيديهنَّ ورُوي أنَّه عليه الصلاةُ والسلام بايعهنَّ وبين يديهِ وأيديهِنَّ ثوبٌ قطريٌّ والأظهرُ الأشهرُ ما قالتْ عائشةَ رضيَ الله عنها والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساءِ قطُّ إلا بما أمرَ الله تعالَى وما مستْ كفُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كفَّ امرأةٍ قَط وكانَ يقولُ إذا أخذَ عليهنَّ قَدْ بايعتكنَّ كلاماً وكانَ المؤمناتُ إذَا هاجرنَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن يقولُ الله عزَّ وجلَّ يأَيُّهَا النبى إِذَا جَاءكَ المؤمنات إلى آخرِ الآيةِ فإذا أقررنَ بذلكَ من قولِهِنَّ قالَ لهنَّ انطلقنَ فقد بايعتكن
{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} هُم عامةُ الكفرةِ وقيلَ اليهودُ لما رُوي أنَّها نزلتْ في بعض فقراء المسملين كانُوا يواصلونَ اليهودَ ليصيبُوا من ثمارِهِم {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الأخرة} لكفرِهِم بهَا أو لعلهم بأنَّه لا خلاقَ لهُمْ فيهَا لعنادِهِم الرسولَ المنعوتَ في التوراة المجيد بالآياتِ {كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أصحاب القبور} أيْ كَما يئسَ منها الذينَ ماتُوا منهُم لأنَّهم وقفُوا على حقيقةِ الحالِ وشاهدُوا حرمانَهُم من نعيمِهَا المقيمِ وابتلاءَهُم بعذابِهَا الأليمِ والمرادُ وصفهُم بكمالِ اليأسِ منهَا وقيلَ المَعْنَى كما يئسُوا من موتاهُم أنْ يُبعثوا ويرجعُوا إلى الدُّنيا أحياءً والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ للإشعار بعلة بأسهم عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ الممتحنةِ كانَ لهُ المؤمنونَ والمؤمناتُ شفعاءَ يومَ القيامة

الصفحة 241