كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} {
أي أُدِّيتْ وفُرغَ منهَا {فانتشروا فِى الأرض} لإقامةِ مصالِحِكم {وابتغوا مِن فَضْلِ الله} أي الربحَ فالأمرُ للإطلاقِ بعدَ الحظرِ وعنِ ابنِ عباس رضي الله عنهما لَمْ يؤمُروا بطلبِ شيءٍ من الدُّنيا إنَّما هو عيادةُ المرضَى وحضورُ الجنائزِ وزيارةُ أخٍ في الله وعنِ الحسنِ وسعيدِ بنِ المسيِّبِ طلبُ العلمِ وقيلَ صلاةُ التطوعِ {واذكروا الله كَثِيراً} ذِكراً كَثيراً أو زماناً كثيراً ولا تخصوا ذكرَهُ تعالَى بالصلاةِ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} كي تفوزُوا بخيرِ الدارينِ
{وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} رُوي أنَّ أهلَ المدينةِ أصابَهُم جوعٌ وغلاءٌ شديدٌ فقدمَ دِحْيةُ بنُ خَلِيفةَ بتجارةٍ منْ زَيْتِ الشامِ والنَّبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يخطبُ يومَ الجمعةِ فقامُوا إليهِ خشيةَ أنْ يُسْبقُوا إليهِ فما بقيَ معَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلا ثمانيةٌ وقيلَ أحدَ عشرَ وقيلَ اثنا عشرَ وقيلَ أربعونُ فقال عليه الصلاة والسلام والَّذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لَوْ خرجُوا جميعاً لأضرمَ الله عليهِم الواديَ ناراً وكانُوا إذَا أقبلتْ العيرُ استقبلُوها بالطبلِ والتصفيقِ وهُو المرادُ باللهوِ وتخصيصُ التجارةِ برجع الضمير لأنه المقصودة أو لأن الإنقضاض للتجارةِ معَ الحاجةِ إليهَا والانتفاعِ بهَا إذا كانَ مذموماً فمَا ظنُّكَ بالانفضاضِ الى اللهو وهو المذمون في نفسهِ وقيلَ تقديرُهُ إذَا رأَوا تجارةً انفضُّوا إليها أو لهوا انفضُّوا إليهِ فحذفَ الثانيَ لدلالةِ الأولِ عليهِ وقُرىءَ إليهِمَا {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} أيْ عَلى المنبرِ {قُلْ مَا عِندَ الله} منَ الثوابِ {خَيْرٌ مّنَ اللهو وَمِنَ التجارة} فإنَّ ذلكَ نفعٌ محققٌ مخلَّدٌ بخلافِ ما فيهِمَا منَ النَّفعِ المتوهَّمِ {والله خير الرازقين} فإليهِ اسعَوا ومنْهُ اطلبُوا الرزق عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سُورةَ الجُمعةِ أُعطِيَ منَ الأجرِ عشرَ حسناتٍ بعددِ مَنْ أتَى الجمعةَ ومَنْ لَم يأتِهَا في أمصارِ المسلمين

الصفحة 250