كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

الخ بيانٌ لكيفية كفر المشركينَ بالقرآنِ إثرَ بيانِ كيفيةِ كفرِ أهلِ الكتابِ وقُرِىءَ وَرِثُوا ووُرِّثُوا أيْ وإنَّ المشركينَ الذينَ أُورثوا القرآنَ من بعدِ ما أُورثَ أهلُ الكتابِ كتابَهم {لَفِى شَكّ مّنْهُ} من القرآن {مُرِيبٍ} موقعٌ في القلق أو في الريبةِ ولذلكَ لا يُؤمنونَ به لا لمحض البغِي والمكابرةِ بعد ما علموا لحقيته كدأب أهلِ الكتابينِ هذا وأمَّا مَا قيلَ من أنَّ ضميرَ تفرقُوا لأمم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنَّ المرادَ تفرقُ كلِّ أمةٍ بعدَ نبيِّها مع علمِهم بأنَّ الفرقةَ ضلالٌ وفسادٌ وأمرٌ متوعدٌ عليهِ على ألسنة الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ فيردّه قولُه تعالَى وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ وكذا ما قيل من أن الناس كانوا أمةً واحدةً مؤمنينَ بعد ما أهلكَ الله تعالَى أهل الأرضَ بالطوفان فلما ماتَ الآباءُ اختلفَ الأبناءُ فيما بينُهم وذلك حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين وجاءهُم العلمُ وإنما اختلفوة اللبفى بينَهم فإنَّ مشاهيرَ الأممِ المذكور قد أصابُهم عذابُ الاستئصالِ من غير إنظارٍ وإمهالٍ على أنَّ مَساقَ النظمِ الكريمِ لبيان أحوالِ هذه الأمةِ وإنما ذُكِرَ من ذكر من الأنبياء عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ لتحقيق أنَّ ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيداً لوجوب إقامتِه وتشديداً للزجرِ عن التفرق والاختلافِ فيه فالتعرضُ لبيان تفرقِ أممِهم عنه ربَّما يُوهم الإخلالَ بذلكَ المرامِ
{فَلِذَلِكَ} أي فلأجل ما ذُكِرَ من التفرق والشكِّ المريبِ أو فلأجلِ أنَّه شرع لهم الدين القومم القديم الحقيق بأنْ يتنافسَ فيهِ المتنافسونَ {فادع} أي الناسَ كافةً إلى إقامةِ ذلك الدين والعمل بموجبِه فإنَّ كلاً من تفرقِهم وكونِهم في شكَ مريب ومن شرع ذلك الدين لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سببٌ للدعوةِ إليهِ والأمرِ بَها وليسَ المشارُ إليهِ ما ذُكرَ من التوصية والأمرِ بالإقامة والنَّهي عن التفرقِ حتى يُتوهمُ شائبةُ التكرارِ وقيلَ المشارُ إليهِ نفسُ الدينِ المشروعِ واللامُ بمَعْنى إِلى كَما في قولِه تعالى بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا أي فإلى ذلكَ الدينِ فادعُ {واستقم} عليه وعلى الدعوة إليه {كَمَا أُمِرْتَ} وأُوحيَ إليكَ {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} الباطلةَ {وقل آمنت بِمَا أَنزَلَ الله مِن كتاب} أيَّ كتابٍ كان من الكتبِ المنزلةِ لا كالذينَ آمنُوا ببعضٍ منها وكفرُوا ببعضٍ وفيه تحقيقٌ للحقِّ وبيانٌ لاتفاق الكتبِ في الأوصل وتأليفٌ لقلوب أهلِ الكتابينِ وتعريضٌ بهم وقد مرَّ بيانُ كيفيةِ الإيمانِ بها في خاتمةِ سورةِ البقرةِ {وَأُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ} في تبليغ الشرائعِ والأحكام وفصل القضايا عند المحاكمة والخصام وقيل معناه لا سوى بيني وبينكُم ولا آمرَكم بما لاأعمله ولا اخالفكم إلى ماأنهاكم عْنهُ ولا أفرقَ بين أكابرِكم وأصاغرِكم واللام إمَّا على حقيقتها والمأمورُ به محذوفٌ أيْ أمِرتْ بذلكَ لأعدلَ أو زائدةٌ أيْ أمرتُ أنْ أعدلَ والباءُ محذوفةٌ {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي خالقُنا جميعاً ومتولِّي أمورنا {لَنَا أعمالنا} لا يتخطانَا جزاؤُها ثواباً كانَ

الصفحة 27