كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 8 16
أو عقاباً {وَلَكُمْ أعمالكم} لا تجاوزكم آثارها لنستفيد بحسناتكم ونتضرر بسيآتكم {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} لا مُحاجَّةَ ولا خصومةَ لأنَّ الحقَّ قد ظهرَ ولم يبقَ للمحاجَّةِ حاجةٌ ولا للمخالفة محل سوى المكابرةِ {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يومَ القيامةِ {وَإِلَيْهِ المصير} فيظهرُ هناكَ حالُنا وحالُكم وهذا كما تَرَى محاجزةٌ في مواقف المجاوبةِ لا متارَكةٌ في مواطن المحاربةِ حتى يُصارَ إلى النسخ بآيةِ القتالِ
{والذين يُحَاجُّونَ فِى الله} أي في دينِه {مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} من بعدما استجاء له الناسُ ودخلُوا فيهِ والتعبيرُ عن ذلكَ بالاستجابةِ باعتبار دعوتِهم إليهِ أو من بعد ما استجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وأيَّده بنصره أو من بعدما استجابَ له أهلُ الكتابِ بأن أقروا بنبوته صلى الله عليه سولم واستفتحُوا به قبلَ مبعثِه صلى الله عليه سلم وذلكَ أنَّ اليهودَ والنَّصارى كانوا يقولونَ للمؤمنين كتابُنَا قبلَ كتابِكم ونبيُنا قبلَ نبيِّكُم ونحنُ خير منكُم وأولى بالحقِّ {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ} زالَّةٌ زائلةٌ باطلة بل لا جاحة لهم أصلاً وإنما عبِّر عن أباطيلهم بالحجة مجاراةً معهم على زعمهم الباطلِ {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} عظيمٌ لمكابرتِهم الحقَّ بعدَ ظهورِه {وَلَهُمْ عذاب شَدِيدٍ} لا يقادَر قَدرُهُ
{الله الذى أَنزَلَ الكتابَ} أي جنسَ الكتابِ {بالحق} ملتبساً به في أحكامه وأخبارِه أو بما يحقُّ إنزالُه من العقائدِ والأحكامِ {والميزان} والشرعِ الذي يُوزنُ به الحقوقُ ويسوى بينَ الناسِ أو نفسُ العدلِ بأنْ أنزلَ الأمرَ بهِ أو آلةُ الوزنِ {وَمَا يدريك} أيُّ شيءٍ يجعلكَ عالماً {لَعَلَّ الساعة} التي يخبرُ بمجيئها الكتابُ الناطقُ بالحقِّ {قَرِيبٌ} أيْ شيءٌ قريبٌ او قريب مجيئها وقتل القريبُ بمعنى ذاتِ قربٍ أو الساعةُ بمعنى البعثِ والمَعْنى أنَّها على جناحِ الإتيانِ فاتبعِ الكتابَ واعملْ بهِ وواظبْ على العدل قبل أنْ يفاجئكَ اليومُ الذي يوزنُ فيه الأعمالُ ويوفي جزاؤها
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} استعجالَ إنكارٍ واستهزاءٍ كانُوا يقولونَ متى هيَ ليتها قامتْ حَتَّى يظهرَ لنا الحقُّ أهُو الذي نحنُ عليهِ أم الذي عليهِ محمدٌ وأصحابُه {والذين آمنوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} خائفونَ منَها معَ اعتناءٍ بها لتوقعِ الثوابِ {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق} أي الكائنُ لا محالةَ {أَلاَ إِنَّ الذين يُمَارُونَ في الساعة} يحادلون فيها منَ المرية أو من مَرَيتُ الناقةَ إذا مسحت صرعها بشدة للحليب ألأن كلاً من المتجادلينِ يستخرجُ ما عند صاحبهِ بكلامٍ فيه شدَّةٌ {لَفِى ضلال بَعِيدٍ} عن الحقِّ فإن البعثَ أشبه الغائباتِ بالمحسوسات فمن لم يهتدِ إلى تجويزه فهو عن

الصفحة 28