كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

} 5 30
{قَدِيرٌ} فإنَّ المقيدَ بالمشيئةِ جمعه تعالى لاقدرته وإذَا عندَ كونِها بمَعْنى الوقتِ كَما تدخلُ الماضِي تدخلُ المضارعَ
{وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ} أيُّ مصيبةٍ كانتْ {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي فهيَ معاصيكُم التي اكتسبتمُوها والفاءُ لأن ما شرطة أو متضمنةٌ لمَعْنى الشرطِ وقُرِىءَ بدونِها اكتفاءً بما في الباء من مَعْنى السببية {ويعفو عَن كَثِيرٍ} من الذنوبِ فلا يعاقبُ عليها والآيةُ مخصوصةٌ بالمجرمينَ فإنَّ ما أصابَ غيرَهُم لأسبابٍ أُخرى منها تعريضُه للثوابِ بالصبرِ عليها
{وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الأرض} فائتينَ ما قُضِيَ عليكُم من المصائبِ وإن هربتُم من أقطارِها كلَّ مهربٍ {وَمَا لَكُم من دُونِ الله مِن وَلِيّ} يحميكُم منَها {وَلاَ نَصِيرٍ} يدفعها ويدفعها عنكم
{ومن آياته الجوار} السفنُ الجاريةُ {فِى البحرِ} وقُرِىءَ الجَوَارِي {كالأعلام} أي كالجبالِ على الإطلاقِ لا التي عليها النارُ للاهتداءِ خاصَّة
{إن يشأ يسكن الريح} التى يجريها وقُرُىءَ الرياحَ {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ} فيبقينَ ثوابتَ عل ظهرِ البحرِ أي غيرَ جارياتٍ لا غيرَ متحركاتٍ أصلاً {إِنَّ فِى ذَلِكَ} الذي ذُكِرَ من السفنِ اللاتِي يجرينَ تارةً ويركُدنَ أُخْرى على حسب مشيئتِه تعالَى {لاَيَاتٍ} عظيمةً في أنفسها كثيرةً في العددِ دالةً على ما ذُكِرَ من شئونه تعالَى {لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} لكل مكن حبسَ نفسَهُ عن التوجِه إلى ما لا ينبغِي ووكَّلَ همَّتَهُ بالنظرِ في آياتِ الله تعالَى والتفكرِ في آلائِه أو لكلِّ مؤمنٍ كاملٍ فإنَّ الإيمانَ نفصه صبرٌ ونصفُهُ شكرٌ
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا} عطفٌ على يُسكنْ والمعنى إن يشأ يسكن الريح 0 فيركدنَ أو يرسلْهَا فيغرقنَ بعصفِها وإيقاعُ الإيباقِ عليهنَّ مع أنَّه حالُ أهلهنَّ للمبالغةِ والتهويلِ وإجراءُ حُكمِه على العفوِ في قولِه تعالَى {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} لِما أنَّ المَعْنى أو يُرسلْها فيوبقْ ناساً ويُنجِ آخرينَ بطريق العفوِ عنهُم وقرءى ويعفوا على الاستئناف
{وَيَعْلَمَ الذين يجادلون فِى آياتنا} عطفٌ على علة مقدرةٍ مثلُ لينتقمَ منهم وليعلم الخ كما في قولِه تعالى ولنجعله آية لّلْنَّاسِ وقوله وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث ونظائِرِهِما وقُرِىءَ بالرفعِ على الاستئنافِ وبالجزمِ عطفاً على يعفُ فيكونُ المَعْنى وإنْ يشأْ يجمعْ بينَ إهلاكِ قومٍ وإنجاءِ قومٍ وتحذيرِ قومٍ {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} أي منْ مهربٍ من العذابِ والجملةُ معلقٌ عنها الفعلُ

الصفحة 33