كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

45 4 {
لأنَّها تسوءُ مَنْ نزلتْ بهِ {فَمَنْ عَفَا} عنِ المسيءِ إليهِ {وَأَصْلَحَ} بينَهُ وبينَ مَنْ يعاديهِ بالعفوِ والإغضاءِ كَما في قولِه تعالى فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حيم {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} عِدَةٌ مُبهمةٌ منبئةٌ عن عظمِ شأنِ الموعودِ وخُروجِه عن الحدِّ المعهودِ {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظالمين} البادئينَ بالسيئةِ والمعتدين في الانتقامِ
{وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي بعدَ ما ظُلِمَ وقَدْ قُرِىءَ بهِ {فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى مَنْ باعتبارِ المَعْنى كَما أنَّ الضميرينِ لها بعتبار اللفظِ {مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ} بالمُعَاتبةِ أو المُعَاقبةِ
{إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس} يبتدئونَهُم بالإضرارِ أوْ يعتدونَ في الانتقامِ {وَيَبْغُونَ فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} أيْ يتكبرونَ فيَها تجبُّراً وفساداً {أولئك} الموصوفونَ بما ذُكِرَ من الظُّلمِ والبغيِ بغيرِ الحقِّ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بسببِ ظُلمهم وبغيِهم
{وَلَمَن صَبَرَ} على الأذَى {وَغَفَرَ} لِمَنْ ظلمَهُ وَلم ينتصرْ وفوَّضَ أمرَهْ إلى الله تعالى {إن فِى ذَلِكَ} الذي ذُكِرَ مِنَ الصبرِ والمغفرةِ {لَمِنْ عَزْمِ الأمور} أيْ إنَّ ذلكَ مِنْهُ فحذفَ ثقةً بغايةِ ظهورِه كَما في قولِهم السمنُ مَنَوانِ بدرهمٍ وهَذا في الموادِّ التي لا يُؤدِّي العفوُ إلى الشرِّ كَما أُشيرَ إليهِ
{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِىّ مّن بَعْدِهِ} من ناصرٍ يتولاَّهُ من بعدِ خِذلانه تعالى إيَّاهُ {وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أيْ حينَ يرنه وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على التحقق يعقلون {هَلْ إلى مَرَدّ} أيْ إلى رجعةٍ إلى الدُّنيا {مّن سَبِيلٍ} حَتَّى نُؤمنَ ونعملَ صالحاً
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أيْ على النار المدلول علهيا بالعذابِ والخطابُ في الموضعينِ لكلِّ مَنْ يتأتَّى منْهُ الرؤيةُ {خاشعين مِنَ الذل} متذلليين مُتضائلينَ مِمَّا دهاهُم {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ} أي يبتدىءُ نظرُهم إلى النَّارِ من تحريكٍ لأجفانِهم ضعيفٍ كالمصبورِ ينظرُ إلى السيفِ {وقال الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين} أي المتصفينَ بحقيقةِ الخُسرانِ {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} بالتعريضِ للعذابِ الخالدِ {يَوْمُ القيامة} إِمَّا ظرفٌ لخسِرُوا فالقولُ في

الصفحة 35