كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

49 47
الدنيال أوْ لقالَ فالقولُ يومَ القيامةِ أي يقولونَ حينَ يَرَونهم على تلك الحالِ وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحققهِ وقولُه تعالى {إَّلا أَن الظالمين فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ} إمَّا من تمامِ كلامِهم أو تصديقٌ منَ الله تعالى لَهُم
{وَمَا كَانَ لَهُمْ من أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم} برفعِ العذابِ عنُهم {مِن دُونِ الله} حسبما كانِوا يرجُون ذلكَ في الدُّنيا {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا له من سَبِيلٍ} يُؤدِّي سلوكُه إلى النجاةِ
{استجيبوا لِرَبّكُمْ} إذا دعاكُم إلى الإيمانِ على لسانِ نبيِّهِ {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} أيْ لا يردُّه الله بعدَ ما حَكَم بهِ على أنَّ مِنْ صلةُ مردَّ أو مِنْ قَبْلِ أَن يأتيَ منَ الله يومٌ لا يُمكنُ رَدُّه {مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} أي مفرَ تلتجئونَ إليهِ {وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} أى إنكاره لَما اقترفتمُوه لأنَّه مدونٌ في صحائف أعمالهكم وتشهد عليكم جوار حكم
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} تلوينٌ للكلامِ وصرفٌ له عن خطابِ الناسِ بعدَ أمرِهم بالاستجابةِ وتوجيهٌ لهُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أي فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدوعهم إليه فما أرسلناك رقيباً ومحاسباً عليهم {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغُ} وقد فعلتَ {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} أي نعمةً منَ الصحةِ والغنَى والأمنِ {فَرِحَ بِهَا} أُريد بالإنسانِ الجنس لقولِه تعالَى {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي بلاءٌ من مرضٍ وفقرٍ وخوفٍ {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} بليغُ الكفرِ ينسى النعمةَ رأساً ويذكرُ البليةَ ويستعظمُها ولا يتأملُ سبَبَها بلْ يزعُم أنها أصابتْهُ بغيرِ استحقاقٍ لها وإسنادُ هذه الخصلةِ إلى الجنسِ مع كونِها من خواصِّ المجرمينَ لغلبتِهم فيما بينَ الأفرادِ وتصديرُ الشرطيةِ الأولى بإذَا معَ إسنادِ الإذاقةِ إلى نونِ العظمةِ للتنبيهِ على أنَّ إيصالَ النعمةِ محققُ الوجودِ كثيرُ الوقوعِ وأنَّه مُقْتضى الذاتِ كما أنَّ تصديرَ الثانيةِ بإِنْ وإسنادَ الإصابةِ إلى السيئةِ وتعليلَها بأعمالِهم للإيذانِ بنُدرةِ وقوعِها وأنَّها بمعزلٍ عن الانتظامِ في سلكِ الإرداة بالذاتِ ووضعُ الظاهرِ موضعَ الضميرِ للتسجيلِ على أن هذا الجنسَ موسومٌ بكفرانِ النعم
{لله ملك السماوات والأرض} فمن قضيَّتِه أنْ يملكَ التصرفَ فيهما وفي كلِّ ما فيهما كيفما يشاءُ ومن جُمْلتِه أن يقسمَ النعمةَ والبليةَ حسبما يريدُه {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} مما تَعلمُه وَممَّا لاَ تعلمُه {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا} من الأولادِ {وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور}

الصفحة 36