كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

56 5 {
أو بمناديِه {فِى قَوْمِهِ} في مجمعِهم وفيما بينَهم بعد أنْ كشفَ العذابَ عنْهم مخافةَ أنْ يُؤمنوا {قَالَ يا قوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار} أنها النيلِ ومعظمُها أربعةُ أنهرٍ الملكُ ونهرُ طولونَ ونهرُ دمياطٍ ونهرُ تنيسَ {تَجْرِى مِن تَحْتِى} أي منْ تحتِ قَصرِي أو أمرِي وقيلَ من تحتِ سريرِي لارتفاعِه وقيلَ بين يديَّ في جناني وبساتيني الواو إما عطفة لهذهِ الأنهارِ على مُلكِ مصرَ فتجري حالٌ منها أو للحالِ فهذهِ مبتدأٌ والأنهارُ صفتُها وتجري خبرٌ للمتبدأ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} ذلكَ يريدُ به استعظامَ مُلكِه
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ} معَ هذه المملكةِ والبسطةِ {مّنْ هذا الذى هُوَ مَهِينٌ} ضعيف حقير من المهابة وهي القلةُ {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} أي الكلامَ قالَه افتراءً عليهِ عليه السَّلامُ وتنقيصه عليهِ السَّلامُ في أعينِ النَّاسِ باعتبارِ ما كانَ في لسانِه عليهِ السَّلامُ من نوعِ رتةٍ وقد كانتْ ذهبتْ عنْهُ لقولِه تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ وأمْ إمَّا منقطعةٌ والهمزةُ للتقريرِ كأنَّه قالَ إثرَ ما عدَّدَ أسبابَ فضلِه ومبادِي خيريتِه أثبتَ عندكُم واستقرَّ لديكُم أنِّي أنَا خيرٌ وهذه حالِي منْ هَذا الخ وإمَّا متصلةٌ فالمَعْنى أفلاَ تْبصرونَ أمْ تبصرونَ خلا أنه وضعَ قولُه أَنَا خَيْرٌ موضعَ تبصرونَ لأنَّهم إذا قالُوا له أنت خير فهم عندَهُ بُصَراءُ وهذا من بابِ تنزيلِ السبب منزلة المسبب ويجوز أن يجعل من تنزيل المسبَّب منزلة السبب فإن إبصارِهم لما ذُكرَ من أسبابِ فضله سببٌ على زعمِه لحُكمِهم بخيريتهِ
{فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ} أي فهلاَّ أُلقي إليهِ مقاليدُ الملكِ إنْ كانَ صادقاً لما أنَّهم كانُوا إذَا سوَّدُوا رجلا سوره وطوَّقُوه بطوقٍ من ذهبٍ وأَسُوِرةٌ جمعُ سوارِ وقُرِىءَ أساور جمعُ أسوارٍ بمعنى السِّوارِ على تعويضِ التاءِ من ياءِ أساويرَ وقد قُرِىءَ كذلكَ وقُرِىءَ ألقى عليه أسورةً وأساورَ على البناءِ للفاعلِ وهو الله تعالَى {أَوْ جَاء مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ} مقرونينَ يعينونَهُ أو يصدقونَهُ من قرنتُه به فاقترنَ أو متقارنينَ من اقتران بمعنى تقارنَ
{فاستخف قومه} فاستقرهم وطلبَ منهُم الخفةَ في مطاوعتِه أو فاستخفَّ أحلامَهُم {فَأَطَاعُوهُ} فيما أمرَهُم به {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين} فذلك سارعُوا إلى طاعةِ ذلكَ الفاسق الغوى
{فلما آسفونا} أي أغضبونا أشدَّ الغضبِ منقولٌ منْ أَسِفَ إذا أشتد اغضبه {انتقمنا مِنْهُمْ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} في اليمِّ
{فجعلناهم سَلَفاً} قدوةً لمن بعدَهُم من الكُفَّارِ يسلكونَ مسلكَهُم في استيجابِ مثلُ ما حلَّ بهم من العذابِ وهُو إما مصدرٌ نُعتَ بهِ أو جمعُ سالفٍ كخَدَمٍ جمعُ خادمٍ وقُرِىءَ بضمِّ السينِ واللامِ على أنَّه جمعُ سليفٍ أي فريقٍ قد سلفَ كرُغُفٍ أو سَالِفٍ كصُبُرٍ أو سَلَفٍ كأسدٍ وقُرِىءَ سُلَفاً بإبدالِ ضمةِ اللامِ

الصفحة 50