كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 8)

66 6 {
أو بحدوثِه بغيرِ أبٍ أو بإحياته المَوْتى دليلٌ على صحةِ البعثِ الذي هو معظمُ ما ينكرهُ الكفرةُ من الأمورِ الواقعة في الساعةِ وقُرِىءَ لَعَلمٌ أي علامةٌ وقُرِىءَ للعِلْم وقُرِىءَ لذِكرٌ على تسميةِ ما يُذكرُ بهِ ذكراً كتسميةَ ما يُعلمُ بهِ علماً وفي الحديثِ إنَّ عيسَى عليهِ السَّلامُ ينزلُ على ثنيةٍ بالأرضِ المقدسةِ يقالُ لها أفيف وعليه نصرتان وبيدِه حَرْبةٌ وبها يقتلُ الدجال فأتى بيتَ المقدسِ والنَّاسُ في صلاةِ الصُّبحِ فيتأخرُ الإمامُ فيُقدِّمُهُ عيسَى عليهِ السَّلامُ ويُصلِّي خلفَهُ على شريعةِ محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ثم يقتلُ الخنازيرَ ويكسرُ الصليبَ ويُخرِّبُ البِيعَ والكنائسَ ويقتلُ النَّصارَى إلا منْ آمنَ به وقيلَ الضميرُ للقُرآنِ لِما أنَّ فيهِ الإعلامَ بالسَّاعةِ {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تشكُنَّ في وقوعِها {واتبعون} أيْ واتبعُوا هُدايَ أو شَرْعي أو رَسُولى وقيلَ هُو قولُ الرسولِ مأموراً من جهتِه تعالَى {هذا} أي الذي أدعُوكم إليهِ أو القُرآنُ على أنَّ الضميرَ في إنَّه لهُ {صراط مُّسْتَقِيمٍ} موصلٍ إلى الحقِّ
{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} عن اتِّباعِي {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} بيِّنُ العداوةِ حيثُ أخرجَ أباكُم من الجنةِ وعرَّضكُم للبليةِ
{وَلَمَّا جَاء عيسى بالبينات} أي بالمعجزاتِ أو بآياتِ الإنجيلِ أو بالشرائعِ الواضحاتِ {قَالَ} لبني إسرائيلَ {قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أى الإنجيل أو الشريعة {وَلأبَيّنَ لَكُم} عكف علَى مقدرٍ ينبىءُ عنْهُ المجيء بالحكمة كأنه قيل قد جئتُكم بالحكمة لأعلِّمَكُم إيَّاها ولأبين لكم {بَعْضَ الذى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهُو ما يتعلقُ بأمورِ الدِّينِ وأما ما يتعلقُ بأمورِ الدُّنيا فليسَ بيانُه من وظائفِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ كما قال عليه السلام أنتمُ أعلمُ بأمورِ دُنياكُم {فاتقوا الله} في مُخَالفتِي {وَأَطِيعُونِ} فيما أبلِّغُه عنْهُ تعالى
{إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} بيانٌ لما أمرَهُم بالطاعةِ فيهِ وهُو اعتقادُ التَّوحيدِ والتَّعبدُ بالشرائعِ {هذا} أي التوحيدُ والتَّعبدُ باللشرائع {صراط مُّسْتَقِيمٍ} لا يضِلُّ سالِكُه وهُو إمَّا من تتمة كلامِه عليه السَّلامُ أو استئنافٌ من جهتِه تعالى مقررٌ لمقالةِ عيسَى عليه السَّلامُ
{فاختلف الأحزاب} الفِرقُ المتحزبةُ {مِن بَيْنِهِمْ} أي مِن بينِ مَنْ بُعثَ إليهم من اليهود والنصرى {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} من المختلفينَ {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} هو يومُ القيامةِ
{هَلْ يَنظُرُونَ} أيْ ما ينتظرُ النَّاسُ {إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ} أي إلا إتيانَ الساعةِ {بَغْتَةً} أيْ فجأةً لكنْ لا عندَ كونِهم مترقبينَ لها بل غافلينَ عنها مشتغلينَ بأمورِ الدُّنيا منكرينَ لها وذلكَ قولُه تعالى {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}

الصفحة 53